للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصبح وهو عند المقام. وأخرج ابن أبي شيبة عن بشير مولى الربيع بن خيثم أن الربيع كان يصلي فمرّ بهذه الآية أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ إلخ فلم يزل يرددها حتى أصبح، وكان الفضيل ابن عياض يقول لنفسه إذا قرأها: ليت شعري من أي الفريقين أنت.

وقال ابن عطية: إن لفظها يعطي أن اجتراح السيئات هو اجتراح الكفر لمعادلته بالإيمان، ويحتمل أن تكون المعادلة بالاجتراح وعمل الصالحات، ويكون الإيمان في الفريقين، ولهذا بكى الخائفون عند تلاوتها. ورأيت كثيرا من المغرورين المستغرقين ليلهم ونهارهم بالفسق والفجور يقولون بلسان القال والحال: نحن يوم القيامة أفضل حالا من كثير من العابدين، وهذا منهم- والعياذ بالله تعالى- ضلال بعيد، وغرور ما عليه مزيد ساءَ ما يَحْكُمُونَ أي: ساء حكمهم هذا وهو الحكم بالتساوي).

٥ - [كلام ابن كثير حول آية وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا .. ]

بمناسبة قوله تعالى: وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ قال ابن كثير: (أي: ما ثم إلا هذه الدار، يموت قوم ويعيش آخرون، وما ثم معاد ولا قيامة، وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون المعاد، وتقوله الفلاسفة الإلهيون منهم، وهم ينكرون البداءة والرجعة، وتقوله الفلاسفة الدهرية المنكرون للصانع، المعتقدون أن في كل ستة وثلاثين ألف سنة يعود كل شئ إلى ما كان عليه، وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى، فكابروا العقول، وكذبوا المنقول؛ ولهذا قالوا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ قال الله تعالى: وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ أي يتوهّمون ويتخيلون. فأما الحديث الذي أخرجه صاحبا الصحيح وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يقول تعالى:

يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلّب ليله ونهاره» وفي رواية:

«لا تسبوا الدهر فإن الله تعالى هو الدهر». وقد أورده ابن جرير بسياق غريب جدا فقال: عن سعد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، وهو الذي يهلكنا يميتنا ويحيينا فقال الله تعالى في كتابه: وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ ويسبون الدهر، فقال الله عزّ وجل: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، بيدى الأمر، أقلب الليل والنهار» وكذا رواه ابن أبي حاتم، ثم روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: يسبّ ابن آدم الدهر وأنا الدهر بيدي الليل والنهار» وأخرجه صاحبا الصحيح والنسائي، وروى محمد بن إسحاق عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى: استقرضت عبدي فلم

<<  <  ج: ص:  >  >>