تتألف المجموعة الخامسة عشرة من المفصل من اثنتي عشرة سورة فهي أكثر مجموعات القرآن عدد سور، وقد دلنا على بدايتها أن السورة الأولى فيها- وهي سورة العصر- مبدوءة بقسم، وقد رأينا أن ذلك علامة مطردة على أن مجموعة جديدة قد أتت، وعند ما نتأمل بدايات السور الأخرى، ومواضيعها ومعانيها، فإننا نصل إلى أنها جميعا أسرة في مجموعة واحدة، وسنرى أدلة ذلك تفصيلا.
والملاحظ أن سور هذه المجموعة تغطي من سورة البقرة إلى نهاية قصة آدم، فالسور الخمس الأولى منها تغطي مقدمة سورة البقرة، حتى إن السورة الخامسة فيها كلام عن المنافقين، كما أن مقدمة سورة البقرة فيها كلام عن المنافقين، فالسور الخمس تتحدث عن المتقين والكافرين والمنافقين كما سنرى، ثم تأتي السور الأربع التالية: الكوثر، والكافرون، والنصر، والمسد، لتفصل في الآيات السبع التالية لمقدمة سورة البقرة، ومن ثم نجد فيها فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ونجد فيها قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ* لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ ونجد فيها فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ونجد فيها تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وكلها معان ترتبط بمعاني الآيات السبع الآتية بعد مقدمة سورة البقرة بدقة عجيبة كما سنرى، ثم تأتي سورة الإخلاص لتفصل في الآيتين الآتيتين بعد الآيات السبع هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ونجد سورة الإخلاص مبدوءة بقوله تعالى قُلْ هُوَ ... وتأتي بعد ذلك في سورة البقرة قصة آدم عليه السلام، وفيها حسد إبليس ووسوسته، وتأتي سورة الفلق وفيها وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ وتأتي سورة الناس وفيها قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ .. مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ ....
فسور المجموعة مترابطة الصلات مع محاورها من سورة البقرة بشكل واضح، وسنرى هذا تفصيلا عند الحديث عن كل سورة على حدة. ومع أن سور المجموعة منها المكي ومنها المدني، ومع ذلك فإنها في ترتيبها تسير على نسق واحد- هو ترتيب المعاني الموجود في سياق سورة البقرة- مما يدلك قطعا على أن ترتيب القرآن رباني، ومما يدلك قطعا على أن هذا القرآن يستحيل أن يكون بشري المصدر.