ولنتذكر الآن- ولنا عودة على الموضوع- أن صلاة الخوف قد ذكرت في سورة البقرة في سياق الكلام عن شئون المرأة وطلاقها، ووفاة زوجها عنها. والملاحظ أن المقطع اللاحق لهذا المقطع يأتي فيه كلام عن المرأة والطلاق، وهذا يذكرنا بالقاعدة التي اعتمدناها أن لكل سورة محورها من سورة البقرة، وأن السورة تفصل فى هذا المحور، وفي امتداداته في نفس سورة البقرة. وهذا الذي اتجهنا إليه سنرى ما يؤكده في هذا التفسير شيئا فشيئا، ولا زلنا نعتبر أن ما نذكره هو بمثابة شواهد
يتكامل معها الدليل شيئا فشيئا.
[المعنى العام]
يأمر الله- عزّ وجل- في هذا المقطع عباده المؤمنين إذا قاتلوا في سبيله أن يتبينوا، إذا قاتلوا أو قتلوا، وينهاهم إذا أعلن لهم أحد إسلامه أن يرفضوا إعلانه رغبة منهم في تحصيل عرض من الدنيا بقتله ليأخذوا ماله، ووعدهم الله- عزّ وجل- مغانم كثيرة يؤتيهم إياها من فضله. ثم ذكرهم بأنهم كانوا في يوم من الأيام يسرون إيمانهم، فإذا وجدوا إنسانا يسر إيمانه بين قومه، حتى إذا جاءوا هم أظهره لهم، فكيف يقتلونه، ثم جدد لهم الأمر بالتبين والتثبت إذا قاتلوا أو قتلوا، ثم هددهم بأنه يعلم الظواهر والخوافي فلا يخالفوا. ثم بين الله- عزّ وجل- أن المجاهدين لا يستوون عنده مع القاعدين إلا إذا كان قعودهم أثرا عن ضرر كمرض، أو عرج، أو عمى، وأنه- عزّ وجل- فضل المجاهدين على القاعدين، ثم أخبر تعالى بما فضلهم به من الدرجات في غرف الجنات العاليات ومغفرة الذنوب والزلات، وأحوال الرحمة والبركات، إحسانا منه وتكريما.
وبعد أن أمر الله- عزّ وجل- بالتبين في الجهاد مراعاة لحال من يكتم الإيمان بسبب من الأسباب، ومن جملة ذلك إقامته بين الكفار، فقد بين الله- عزّ وجل- حكم الإقامة بين الكفار ليرفع همم أهل الإيمان إلى الهجرة.
ومن ثم فقد بين الله- عزّ وجل- أن من أقام بين ظهراني الكفار، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه، ومرتكب للحرام بإجماع المسلمين، وبنص ما ذكر في هذا السياق من كون أمثال هؤلاء عند ما تتوفاهم الملائكة تعنفهم سائلة إياهم لم مكثتم هاهنا، وتركتم الهجرة؟ فيعتذرون بعدم قدرتهم على الخروج أو الذهاب في الأرض، فترد عليهم الملائكة حجتهم أن أرض الله واسعة،