ولو كان هو الإشعاع- لا يمكن تعليلها إلا بتصور وجود إله خالق مدبّر. يخلق الكون بحالة تسمح بنشأة الحياة فيه؛ وتسمح بكفالة الحياة أيضا بعد وجودها. والحياة الإنسانية بخصائصها الباهرة درجة فوق مجرّد الحياة ... ولا بد من إرادة مدبّرة تمنح الإنسان الحياة، وتمنحه خصائص الإنسان.
.... إن التعليل الإسلامي لانبثاق الحياة في درجاتها المتفاوتة هو الحل الوحيد لهذه الظاهرة التي لا تعللها المحاولات المادية البائسة!».
*** ولنعد إلى عرض المعنى الحرفي، فبعد المقدمة تأتي مجموعتان في المقطع الأول:
مجموعة تبين بعض مواقف الكافرين، وتناقشهم، وتحذرهم، ومجموعة تأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يخاطبهم بمعان:
وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ أي: وما يظهر لهم دليل قط من الأدلّة التي يجب فيها النظر والاعتبار وتؤدي إلى الإيمان إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ. أي: إلا كانوا تاركين للنظر فيها لا يلتفتون إليها لقلة خوفهم وتدبّرهم في العواقب وأعظم آية القرآن، وأعظم دليل على إعراضهم عن الآيات تكذيبهم له
فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ. أي بالقرآن وهو أعظم آية وأكبرها، بدليل أنهم تحدّوا فعجزوا عنه لَمَّا جاءَهُمْ. أي حين جاءهم فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ. أي فسوف يأتيهم أنباء الشئ الذي كانوا به يستهزءون وهو القرآن، أي أخباره وأحواله يعني: سيعلمون بأي شئ استهزءوا، وذلك عند إرسال العذاب عليهم في الدنيا، أو يوم القيامة، أو عند ظهور الإسلام وعلوّ كلمته
أَلَمْ يَرَوْا. أي:
هؤلاء المكذّبون كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ القرن: هو مدة انقضاء أهل كل عصر مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ الخطاب هنا أول ما يتوجه لأهل مكة لأنّهم أوّل من خوطب بهذا القرآن، والتمكين في البلاد إعطاء المكنة، والمعنى لم نعط أهل مكة نحو ما أعطينا عادا وثمود وغيرهم، من البسطة في الأجسام، والسّعة في الأموال، والاستظهار بأسباب الدنيا وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً. أي: وأرسلنا المطر عليهم كثيرا وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ. أي: من تحت أشجارهم والمعنى: عاشوا في الخصب بين الأنهار والثمار وسقوا الغيث المدرار فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ولم يغن عنهم سلطانهم وما كانوا فيه شيئا وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ. أي: جيلا آخر بدلا
منهم لنختبرهم، فعملوا مثل أعمالهم، فأهلكوا كإهلاكهم، فاحذروا أيها المخاطبون أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فما أنتم بأعز على الله منهم، والرسول الذي كذبتموه أكرم على الله من رسولهم فأنتم أولى بالعذاب