للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوسف. وفي كلمة الأعمش تنبيه كريم للمسلم ألا يكون غرا. ثم قالوا معتذرين عما وقع فيما زعموا

قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ أي نتسابق في العدو، أو في الرمي وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا أي ثيابنا وأمتعتنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وهو الذي كان قد جزع منه وحذر منه وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا أي بمصدق وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ أي ولو كنا عندك من أهل الصدق والثقة فإنك لا تصدقنا لشدة محبتك ليوسف، فكيف وأنت سيئ الظن بنا غير واثق بقولنا مع أن واقع الحال أننا صادقون

وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ أي مكذوب مفترى من أجل أن يؤكدوا ما تمالئوا عليه من المكيدة. ولكن ذلك لم يرج على نبي الله يعقوب. بل قال لهم معرضا عن كلامهم إلى ما وقع في نفسه من لبسهم عليه قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ زينت أو سهلت أَمْراً عظيما ارتكبتموه فَصَبْرٌ جَمِيلٌ فأمري صبر جميل، أو فصبر جميل أجمل، أي فسأصبر صبرا جميلا على هذا الأمر الذي اتفقتم عليه حتى يفرجه الله بعونه ولطفه، والصبر الجميل: هو ما لا شكوى فيه إلى الخلق وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ أي على الرزء فيه، أو على ما تذكرون من الكذب والمحال. ثم أخبر تعالى عما جرى ليوسف عليه السلام في الجب حين ألقاه إخوته وتركوه في ذلك الجب وحيدا فريدا.

وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ أي رفقة تسير، والسياق يعرفنا إنها سائرة إلى مصر فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ أي الذي يرد الماء ليستقي للقوم فَأَدْلى دَلْوَهُ أي أرسل الدلو ليملأها، ويظهر أن يوسف تشبث بالدلو، فنزعه وأخرجه واستبشر به قالَ يا بُشْرى وفي قراءة يا بشراي هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً أي وأخفوه متاعا للتجارة، إذ البضاعة ما يقطع من المال للتجارة وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ أي عليم بما فعل الجميع وهو قادر على تغيير ذلك ودفعه، ولكن له حكمة وقدرا سابقا، وفي هذا درس لرسولنا عليه الصلاة والسلام وأتباعه أن الله عالم بما يصيبهم من الأذى، وهو قادر على الإنكار. ولكنه سيملي للظالمين ثم يجعل العاقبة والحكم عليهم كما جعل ليوسف الحكم والعاقبة على إخوته.

وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ أي وباعوه بثمن مبخوس أي ناقص عن القيمة نقصانا ظاهرا. وهل البائع هنا السيارة في مصر كما تدل الآية اللاحقة، أو إخوة يوسف. قولان للمفسرين. رجح ابن كثير أن البائع هنا إخوته، وعلل فقال: لأن قوله وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ إنما أراد أخوته لا أولئك السيارة، لأن السيارة استبشروا به وأسروه بضاعة، ولو كانوا فيه زاهدين لما اشتروه.

فترجح من هذا أن الضمير في شروه إنما هو لإخوته. أقول: والذي رجحه ابن كثير هو

<<  <  ج: ص:  >  >>