عرفنا من خلال الآيتين اللتين مرتا أن سبب الريب والكفر بهذا القرآن الظلم والإفساد في الأرض، فمن كان ظالما ومن كان مفسدا فهذا وحده الذي يرتاب في هذا القرآن ويشك به ويكفر، أما القرآن فليس فيه ريب ولا شك، لأن الحجة قائمة فيه أنه من عند الله، جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا» فالرسل السابقون معجزاتهم شاهدة على صحة رسالتهم، وأما رسالة رسولنا صلى الله عليه وسلم فالقرآن شارحها، والمعجزة في القرآن نفسه، فكيف يكون فيه ريب
وَإِنْ كَذَّبُوكَ أي وإن استمروا على تكذيبك ويئست من إجابتهم بعد قيام الحجة عليهم فتبرأ منهم ومن عملهم فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أي لي جزاء عملي ولكم جزاء أعمالكم أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ فكل مؤاخذ بعمله
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أي ومنهم ناس يستمعون إليك إذا قرأت القرآن وعلمت الشرائع، فهم يسمعون كلامك الحسن، والقرآن العظيم، والأحاديث الصحيحة الفصيحة النافعة في القلوب والأديان والأبدان، وفي هذا كفاية عظيمة للإيمان، ولكنهم لا يعون ولا يقبلون، فهم كالصم أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ أي أتطمع أنك تقدر على إسماع الصم ولو انضم إلى صممهم انعدام عقولهم، لأن الأصم العاقل ربما تفرس واستدل إذا وقع في صماخه دوي الصوت، فإذا اجتمع سلب العقل والسمع فقد تم عدم الفهم، وإذن فالصمم وانعدام العقل عاملان آخران من عوامل الضلال والكفر بهذا القرآن وهذا الرسول
وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أي ومنهم ناس ينظرون إليك ويعاينون أدلة الصدق وأعلام النبوة، ولكنهم لا يصدقون، أو كما قال ابن كثير:(أي ينظرون إليك وإلى ما أعطاك الله من التؤدة، والسمت الحسن، والخلق العظيم، والدلالة الظاهرة على نبوتك لأولي البصائر والنهى. وهؤلاء ينظرون كما ينظر غيرهم، ولا يحصل لهم من الهداية شئ كما يحصل لغيرهم، بل المؤمنون ينظرون إليك بعين الوقار، وهؤلاء الكفار ينظرون إليك بعين الاحتقار) فكيف يؤمنون بك، وكيف ينتفعون منك وهم لا يرون حقيقتك أصلا لعماهم أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ أي أتحسب أنك تقدر على هداية العمي ولو انضم إلى فقد البصر فقد البصيرة، لأن الأعمى الذي له في قلبه بصيرة قد يحدس، وأما العمى مع الحمق فجهد البلاء، فتحصل من الآيتين أنهم في اليأس من أن يقبلوا ويصدقوا كالصمم والعمي الذين لا عقول لهم ولا بصائر. فحصل