عَنْ دُعائِهِمْ أي: عبادتهم غافِلُونَ أي: لا أضل ممن يدعو من دون الله شركاء، ويطلب منها ما لا تستطيعه إلى يوم القيامة، وهي غافلة عما يقول، لا تسمع ولا تبصر ولا تبطش؛ لأنها جماد حجارة صم
وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ يوم القيامة كانُوا لَهُمْ أَعْداءً أي: كانت هذه الأصنام لعبدتها عدوة وَكانُوا أي:
الأصنام بِعِبادَتِهِمْ أي: بعبادة شركائهم كافِرِينَ أي: يقولون ما دعوناهم إلى عبادتنا فسيخذلونهم أحوج ما يكونون إليهم. قال النسفي: ومعنى الاستفهام في (من أضل) إنكار أن يكون في الضّلال كلهم أبلغ ضلالا من عبدة الأوثان، حيث يتركون دعاء السميع المجيب، القادر على كل شيء، ويدعون من دونه جمادا لا يستجيب لهم، ولا قدرة له على استجابة أحد منهم، ما دامت الدنيا، وإلى أن تقوم القيامة، وإذا قامت القيامة وحشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا عليهم ضدا، فليسوا في الدارين إلا على نكد ومضرة لا تتولاهم في الدنيا بالاستجابة، وفي الآخرة تعاديهم وتجحد عبادتهم، ولما أسند إليهم ما يسند إلى أولي العلم من الاستجابة والغفلة قيل (من) و (هم) ووصفهم بترك الاستجابة والغفلة فذلك على طريقة التهكم بها وبعبدتها، ونحوه قوله تعالى إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ (فاطر: ١٤).
قال صاحب الظلال:[حول مناقشة من يدعون من دون الله آلهة أخرى]
(وإذا كان القرآن يندد بضلال من يدعون من دون الله آلهة لا يستجيبون لهم إلى يوم القيامة، وكان هذا يعني المعبودات التاريخية التي عرفتها الجماعات البشرية عند نزول هذا القرآن، فإن النص أوسع مدلولا وأطول أمدا من ذلك الواقع التاريخي. فمن أضل ممن يدعو من دون الله أحدا في أي زمان وفي أي مكان؟ وكل أحد- كائنا من كان- لا يستجيب بشيء لمن يدعوه، ولا يملك أن يستجيب. وليس هناك إلا الله فعّال لما يريد ..
إن الشرك ليس مقصورا على صوره الساذجة التي عرفها المشركون القدامى. فكم من مشركين يشركون مع الله ذوي سلطان، أو ذوي جاه أو ذوي مال؛ ويرجون فيهم، ويتوجهون إليهم بالدعاء. وكلهم أعجز من أن يستجيبوا لدعاتهم استجابة حقيقية.
وكلهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا. ودعاؤهم شرك. والرجاء فيهم شرك.
والخوف منهم شرك. ولكنه شرك خفى يزاوله الكثيرون وهم لا يشعرون.)