ثم يحذر الله الذين يرثون الأرض من بعد أهلها .. يحذرهم الغفلة والغرة ويدعوهم إلى اليقظة والتقوى .. ويلفتهم إلى العبرة في مصارع الغابرين الذين ورثوا هم الأرض من بعدهم، فإنما تنتظرهم سنة الله التي لا تتبدل والتي يتكيف بها تاريخ البشر على مدارج القرون.
وتنتهي الوقفة بتوجيه الخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها .. لإظهاره على سنة الله فيها، وعلى حقيقة هذه القرى وأهلها: وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ فهذا الرسول الأخير وأمته هم الوارثون لحصيلة رسالات الله كلها، وهم الذين يفيدون من أنبائها وعظاتها ... ».
[نقول]
١ - في الربط بين العقيدة والحياة الاقتصادية للأمم يقول صاحب الظلال:
«إن العقيدة الإيمانية في الله، وتقواه، ليست مسألة منعزلة عن واقع الحياة، وعن خط تاريخ الإنسان. إن الإيمان بالله وتقواه، ليؤهلان لفيض من بركات السماء والأرض. وعدا من الله. ومن أوفى بعهده من الله؟ ونحن- المؤمنين بالله- نتلقى هذا الوعد بقلب المؤمن، فنصدقه ابتداء، لا نسأل عن علله وأسبابه ولا نتردد لحظة في توقع مدلوله، نحن نؤمن بالله- بالغيب- ونصدق بوعده بمقتضى الإيمان ..
ثم ننظر إلى وعد الله نظرة التدبر- كما يأمرنا إيماننا كذلك- فنجد علته وسببه.
إن الإيمان بالله دليل على حيوية في الفطرة وسلامة في أجهزة الاستقبال الفطرية وصدق في الإدراك الإنساني وحيوية في البنية البشرية ورحابة في مجال الإحساس بحقائق الوجود ... وهذه كلها من مؤهلات النجاح في الحياة الواقعية.
والإيمان بالله تحرر من العبودية للهوى ومن العبودية للعبيد وما من شك أن الإنسان المتحرر بالعبودية لله أقدر على الخلافة في الأرض خلافة راشدة صاعدة من العبيد للهوى ولبعضهم بعضا.
وتقوى الله يقظة واعية تصون من الاندفاع والتهور والشطط والغرور في دفعة الحركة ودفعة الحياة وتوجه الجهد البشري في حذر وتحرج فلا يعتدي ولا يتهور ولا يتجاوز حدود النشاط الصالح.