وحين تسير الحياة متناسقة بين الدوافع والكوابح عاملة في الأرض متطلعة إلى السماء متحررة من الهوى والطغيان البشري عابدة خاشعة تسير سيرة صالحة منتجة تستحق مدد الله بعد رضاه فلا جرم تحفها البركة ويعمها الخير ويظلها الفلاح- والمسألة- من هذا الجانب- مسألة واقع منظور- إلى جانب لطف الله المستور- واقع له
علله وأسبابه الظاهرة إلى جانب قدر الله الغيبي الموعود.
والبركات التي يعد الله بها الذين يؤمنون ويتقون، في توكيد ويقين، ألوان شتى لا يفصلها النص ولا يحددها. وإيحاء النص القرآني يصور الفيض الهابط من كل مكان، النابع من كل مكان، بلا تحديد، ولا تفصيل ولا بيان. فهي البركات بكل أنواعها وألوانها، وبكل صورها وأشكالها، ما يعهده الناس وما يتخيلونه، وما لم يتهيأ لهم في واقع ولا خيال.
والذين يتصورون الإيمان بالله وتقواه مسألة تعبدية بحتة، لا صلة لها بواقع الناس في الأرض، لا يعرفون الإيمان ولا يعرفون الحياة. وما أجدرهم أن ينظروا هذه الصلة قائمة يشهد بها الله- سبحانه- وكفى بالله شهيدا. ويحققها النظر بأسبابها التي يعرفها الناس. وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ.
ولقد ينظر بعض الناس فيرى أمما- يقولون: إنهم مسلمون- مضيقا عليهم في الرزق، لا يجدون إلا الجدب والمحق! ... ويرى أمما لا يؤمنون ولا يتقون، مفتوحا عليهم في الرزق والقوة والنفوذ .. فيتساءل: وأين إذن هذه السنة التي لا تتخلف!.
ولكن هذا وذلك وهم تخيله ظواهر الأحوال.
إن أولئك الذين يقولون: إنهم مسلمون .. هم في الغالب لا مؤمنون ولا متقون! إنهم لا يخلصون عبوديتهم لله، ولا يحققون في واقعهم شهادة أن لا إله إلا الله إنهم يسلمون رقابهم لعبيد منهم يتألهون عليهم، ويشرعون لهم- سواء القوانين أو القيم أو التقاليد- وما أولئك بالمؤمنين.
فالمؤمن لا يدع عبدا من العبيد يتأله عليه، ولا يجعل عبدا من العبيد ربه الذي يصرف حياته بشرعه وأمره .. ويوم كان أسلاف هؤلاء الذين يزعمون الإيمان مسلمين حقا. دانت لهم الدنيا، وفاضت عليهم بركات من السماء والأرض، وتحقق لهم وعد الله».