والملاحظ الآن علميا أن الفارق بين العناصر هو في عدد الكتروناتها وبروتوناتها، وأن الماء مؤلف من أكسجين وهيدروجين وأن ذرة الهيدروجين، مؤلفة من بروتون واحد، والكترون واحد، وهذا يعني أن ما سوى الهيدروجين من العناصر الأصل فيه الهيدروجين، ولا ندري ماذا يمكن أن يأتي به العلم البشري في المستقبل من احتمالات اكتشاف مزيد مما يلقي ضوءا يزيدنا إبصارا في فهم الآية، وفي فهم قضية الخلق لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أي خلق السموات والأرض وما فيهما من منافع ومصالح، ليختبركم أيكم أطوع لله وأكثر شكرا، ولم يخلق ذلك عبثا، فلم تخلق هذه الأشياء إلا للامتحان، فمن كان أحسن عقلا، وأورع عن محارم الله، وأسرع في طاعة الله، أثابه الله، ومن كفر وعصى عاقبه، ولما أشبه ذلك اختبار المختبر قال:
لِيَبْلُوَكُمْ أي ليفعل بكم ما يفعل المبتلي لأحوالكم كيف تعملون، وهو جل جلاله أعلم بما نحن عاملون، وقال: أَحْسَنُ عَمَلًا ولم يقل أكثر عملا لأن العبرة بحسن العمل، ولا يكون العمل حسنا حتى يكون خالصا لله عزّ وجل، وعلى شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمتى فقد العمل واحدا من هذين الشرطين حبط وبطل وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ أي ولئن أخبرت يا محمد هؤلاء الكافرين أن الله سيبعثهم بعد مماتهم وذلك مقتضى الحكمة في خلق السموات والأرض للابتلاء، فالبعث شئ بديهي لمن أدرك هذه الحقيقة لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا أي ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ أي بين واضح، أي ما هذا القرآن إلا سحر واضح، ووصف القرآن بالسحر إشارة إلى أنه لم يحو إلا التمويه والباطل الذي يجانف الحق، وإذ وصفوا القرآن بالسحر فقد أبطلوا كل ما فيه، ومن ذلك موضوع الإيمان باليوم الآخر، مع أن تكذيبهم بالقرآن وتكذيبهم باليوم الآخر نفي للحكمة من خلق السموات والأرض أصلا،
ثم بين الله عزّ وجل أن الكافر لا تزيده النعم والإمهال إلا عتوا وتمردا وكفرا وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ أي أوقات مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ استهزاء ما يَحْبِسُهُ أي ما يمنعه من النزول. والمعنى: لئن أخرنا العذاب والمؤاخذة عن هؤلاء الكافرين إلى أجل معدود، وأمر محصور، وأوعدناهم إلى مدة مضروبة، ليقولن تكذيبا واستهزاء ما يؤخره عنا؟ أي يقولون للمؤمنين: إن ما تقولونه غير صحيح أصلا، ولو كان صحيحا لعذبنا. والجواب أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ أي العذاب لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ أي ليس مدفوعا عنهم وَحاقَ بِهِمْ أي نزل وأحاط ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ من العذاب، دل هذا على أن قولهم: ما يحبسه كان استهزاء،