٢ - إن ذكر تشريع الجمعة وبعض ما يتعلق بها في سياق سورة الجمعة يعطينا دلالات معينة منها: أن صلاة الجمعة وخطبتها ينبغي أن تحقق ما بعث من أجله محمد صلى الله عليه وسلم، وأن تجنب هذه الأمة ما وقعت فيه بنو إسرائيل، وفي ذلك درس لخطيب الجمعة وللمستمع، هذا وقد ذكر في الفقرة الأخيرة كل ما ينهض على أداء الجمعة، ويبعد عن إهمالها، كما ذكر مقدمة لذلك كل ما يبعث عليها، وفي ذلك درس من دروس هذا القرآن إذ يجعل التكليف في إطار يحمل على غاية الالتزام.
٣ - رأينا صلة الفقرتين الأوليين بمقدمة سورة البقرة، وأما صلة الفقرة الأخيرة فمن حيث إن مقدمة سورة البقرة ذكرت أن من صفات المتقين وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وإقامة صلاة الجمعة من أهم ما يدخل تحت قوله تعالى: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وفي ذلك نوع تفصيل لما يدخل تحت إقامة الصلاة من مقدمة سورة البقرة.
٤ - نلاحظ أن صفات المتقين في مقدمة سورة البقرة ختمت بقوله تعالى:
وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، ونلاحظ أن الله عزّ وجل قال في الفقرة الأخيرة:
فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ مما يشير إلى أن الفقرة الأخيرة تفصل في طريق الفلاح الذي أجملته الآيات الأولى من مقدمة سورة البقرة، وهكذا رأينا صلة فقرات سورة الجمعة كلها بمحورها من سورة البقرة، ورأينا كذلك وحدة سياق السورة، وصلة فقراتها ببعضها، ولعل القارئ لا يغيب عنه ذكر اسم الله الملك في ابتداء السورة، وذكر قوله تعالى: وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ في آخرها مما يؤكد أن السورة مجلى لظهور أسماء الله التي وردت في أولها. ولنكتف الآن بهذا القدر عن سياق السورة ولنذكر بعض الفوائد المتعلقة ببعض آياتها.
[الفوائد]
١ - بمناسبة قوله تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ قال ابن كثير: (الأميون هم العرب كما قال تعالى: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ؟ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ وتخصيص الأميين بالذكر لا ينفي من عداهم، ولكن المنة عليهم أبلغ وأكثر كما قال تعالى