للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبراهيم عليه السلام ومن معه من المؤمنين إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ أي:

تبرأنا منكم وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي: تبرأنا منكم ومن آلهتكم كَفَرْنا بِكُمْ أي: بدينكم وبطريقتكم وبأشخاصكم التي تمثل بها هذا الدين والطريقة وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ بالأفعال وَالْبَغْضاءُ بالقلوب أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ فحينئذ نترك عداوتكم وبغضكم. قال ابن كثير: (يعني: وقد شرعت العداوة والبغضاء من الآن بيننا وبينكم ما دمتم على كفركم فنحن أبدا نتبرأ منكم ونبغضكم ... ) إلى أن توحدوا الله فتعبدوه وحده لا شريك له، وتخلعون ما تعبدون معه من الأنداد إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ قال النسفي: أي: اقتدوا به (أي: في إبراهيم) في أقواله ولا تأتسوا به في الاستغفار لأبيه الكافر، وقال ابن كثير: أي: لكم في إبراهيم وقومه أسوة حسنة تتأسون بها، إلا في استغفار إبراهيم لأبيه فإنه إنما كان عن موعدة وعدها إياه فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ثم أتم الله عزّ وجل قول إبراهيم لأبيه وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ أي: من هداية ومغفرة وتوفيق فكأنه قال له: سأستغفر لك وما في طاقتي إلا الاستغفار، ثم قال تعالى مخبرا عن قول إبراهيم عليه السلام والذين معه حين فارقوا قومهم، وتبرءوا منهم فلجأوا إلى الله عزّ وجل، وتضرعوا إليه فقالوا: رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا لا على أحد سواك وَإِلَيْكَ أَنَبْنا أي: أقبلنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ أي: المرجع. قال ابن كثير: أي:

توكلنا عليك في جميع الأمور، وسلمنا أمورنا إليك، وفوضناها إليك، وإليك المصير أي: المعاد في الدار الآخرة،

وقالوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا قال النسفي: أي: لا تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب. وقال ابن كثير: (قال مجاهد:

معناه لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا، وكذا قال الضحاك، وقال قتادة: لا تظهرهم علينا فيفتتنوا بذلك، يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه واختاره ابن جرير، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: لا تسلطهم علينا فيفتنونا) وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا أي: واستر ذنوبنا عن غيرنا، واعف عنها فيما بيننا وبينك إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ أي: الذي لا يضام من لاذ بجنابك الْحَكِيمُ في أقوالك وأفعالك وشرعك وقدرك،

ثم كرر الله عزّ وجل الحث على الاقتداء بإبراهيم عليه السلام فقال: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ هذا تهييج للتأسي بإبراهيم ومن معه لكل مؤمن بالله والمعاد وَمَنْ يَتَوَلَّ عما أمر الله به من الاقتداء بإبراهيم ومن معه فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عن الخلق

<<  <  ج: ص:  >  >>