ولماذا يفعلون ذلك؟ بين الله سبب فعلهم لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ اللي:
هو الفتل والتحريف، أي: يفتلون بألسنتهم الحق إلى الباطل حيث يضعون راعنا موضع انظرنا، وغير مسمع موضع لا أسمعت مكروها، أو يفتلون بألسنتهم ما يضمرونه من الشتم إلى ما يظهرونه من التوقير نفاقا. والطعن في الدين من أمثال قولهم: لو كان نبيا حقا لأخبر بما نعتقد فيه، فلينتبه المؤمنون إلى طرق اليهود، وأمثالهم في تحريف الكلم وفتله. وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا. بدل قولهم: سمعنا وعصينا، وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا. أي وقالوا: واسمع دون أن يلحقوا بها غير مسمع، وانظرنا بدل قولهم راعنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ. أي: لكان قولهم ذاك خيرا لهم عند الله، وأعدل وأسد وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ. أي: ولكن طردهم وأبعدهم عن رحمته بسبب اختيارهم الكفر. فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا يحتمل معنيين: إما أن قليلين منهم فقط هم الذين يؤمنون، وإما إن إيمانهم قليل، ضعيف، لا يعبأ به، وهو إيمانهم بخالقهم مع كفرهم بما هو من مقتضيات الإيمان.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا: أي: آمنوا بالقرآن. مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ. من التوراة أي: آمنوا بالقرآن المصدق للتوراة. مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها الطمس: محو تخطيط صورها من عين وحاجب وأنف وفم، والرد على الأدبار يحتمل أكثر من معنى، فإما أن يكون معناها: فنجعلها على هيئة أدبارها، وهي الأقفاء مطموسة مثلها، أو أن نطمس وجوها فنعكس الوجوه إلى خلف، والأقفاء إلى قدام.
ويمكن أن تفهم الوجوه على أن المراد بها رءوس الناس، ووجهاؤهم، فيكون المعنى آمنوا من قبل أن نغير أحوال وجهائكم فنسلبهم إقبالهم ووجاهتهم، ونكسوهم صغارهم وإدبارهم، أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ. أي: أو نخزيهم بالمسخ كما مسخنا أصحاب السبت. وبعض العلماء قال: إن هذا الوعيد كان معلقا بألا يؤمنوا
كلهم، وقد آمن بعضهم، وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا. أي: وكان المأمور به من الله وهو: العذاب في حالة أمر الله به كائنا لا محالة.
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ. أي: لمن مات على الشرك، وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ. أي:
ويغفر ما دون الشرك لمن يشاء ولو كان من الكبائر، ولو لم يكن توبة، هذا مذهب أهل السنة، وسنرى في الأحاديث ما يؤيده. وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً. أي: ومن يشرك بالله فقد كذب كذبا عظيما، استحق به عذابا أليما.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ من اليهود والنصارى حيث قالوا: نحن أبناء الله