شئ تغني الآيات السماوية والأرضية، والرسل بآياتها وحججها وبراهينها، الدالة على صدقها عن قوم لا يؤمنون؟ لقد عميت قلوبهم، وصمت آذانهم، فلم يعودوا يرون الحق، ولم يعودوا يسمعونه، فإذ كان أمر هؤلاء كذلك فماذا بقي إلا انتظار العذاب
فَهَلْ أي فما يَنْتَظِرُونَ أي بتكذيبك إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم أي: مثل وقائعهم من العذاب، وعندئذ يؤمنون، ولات حين مناص قُلْ فَانْتَظِرُوا ذلك إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ ولكن شتان بين الانتظارين، لاختلاف سنة الله في الفريقين
ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا أي ونهلك المكذبين بالرسل كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ حقا أوجبه الله على نفسه الكريمة أن ينجي الرسول ومن يؤمن معه إذا جاء العذاب المكذبين به، وهكذا هدمت هذه الآيات معقلا آخر من معاقل الشك، إذ بينت أن النظر في السموات والأرض يوصل إلى الإيمان، فمن نظر في التاريخ، وتقلبات الأيام، وحياة الرسل، وحياة أهل الإيمان، وعاقبة أهل الإيمان والكفر، فإنه سيجد في ذلك كله ما يدفعه إلى الإيمان، إلا إذا كان ممن عمي قلبه، وعندئذ فلينتظر مصيره المظلم .. وبهذا ينتهي القسم الثاني في سورة يونس، وقد استقر بالقسمين الأول والثاني أن هذا القرآن لا ريب فيه، وأن على الخلق أن يهتدوا به، وخلال ذلك ذكرت العوامل الحقيقية التي تحول بين الناس وبين الإيمان والاتباع، وإذ استقرت هذه المعاني كلها فإن القسم الثالث- وهو خاتمة السورة- يأتي ليخاطب الناس كل الناس خطابين أخيرين.