ولأن الأمر كذلك من الثقل، ومن الغرابة، ومن النفرة، ومن المقاومة لهذا التغيير الكامل الشامل الذي تستهدفه هذه العقيدة في حياة الناس وتصوراتهم، فإن السياق يباكر القوم بالتهديد القاصم، ويذكرهم بمصائر المكذبين. ويعرض عليهم مصارع الغابرين .. جملة قبل أن يأخذ في القصص المفصل عنهم في مواضعه من السياق: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها، فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ* فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا: إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ* فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ* فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ* وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ، فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ
«وفي الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم كان الكتاب منزلا إليه بشخصه كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ .. وفي الخطاب للبشر كان الكتاب- كذلك- منزلا إليهم من ربهم:
اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ .. فأما الرسول صلى الله عليه وسلم فالكتاب منزل إليه ليؤمن به وينذر ويذكر. وأما البشر فالكتاب منزل إليهم من ربهم ليؤمنوا به ويتبعوه، ولا يتبعوا أمر أحد غيره .. والإسناد في كلتا الحالتين للاختصاص والتكريم والتخصيص والاستجاشة. فالذي ينزل له ربه كتابا، ويختاره لهذا الأمر. ويتفضل عليه بهذا الخير، جدير بأن يتذكر وأن يشكر، وأن يأخذ الأمر بقوة ولا يستحسر .. »
[فوائد]
١ - بمناسبة قوله تعالى: فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ قال ابن جرير: في هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله «ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم» حدثنا بذلك ابن حميد ... عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم» قال: قلت لعبد الملك بن ميسرة (راوي الحديث عن ابن مسعود):
كيف يكون ذلك؟ قال فقرأ هذه الآية فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ
٢ - بمناسبة قوله تعالى: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ أخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم