للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ديمقراطية وحرية وحفظا لحقوق الإنسان بعد ألف وأربعمائة عام؟).

أقول: يرى الكثيرون من المشتغلين بالسياسة أن أجهزة المخابرات شئ لا بد منه للدولة الحديثة، فماذا تفعل الدولة الإسلامية في هذا العصر؟ والجواب: إن رصد العدو لا يدخل في النهي عن التجسس، فقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يبعث الأرصاد والعيون على قريش، وإنما المنهي عنه التجسس على المسلمين، والذي يغني عن أجهزة المخابرات في الدولة الإسلامية وعي المسلم، وتلاحمه مع إمامه وحكومته، وإخباره لها إذا أحس بخيانة أو خطر على الأمن، كما ينوب عن ذلك بعض الإجراءات الاحتراسية، وجهاز أمني مقيد بضوابط الشرع لا حرج في وجوده.

١٤ - [كلام ابن كثير عن الغيبة بمناسبة آية وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً]

وبمناسبة قوله تعالى وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً قال ابن كثير: (وقوله تعالى وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فيه نهي عن الغيبة وقد فسرها الشارع كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله ما الغيبة؟ قال صلّى الله عليه وسلم «ذكرك أخاك بما يكره» قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال صلّى الله عليه

وسلم «إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته» ورواه الترمذي وقال حسن صحيح، ورواه ابن جرير. وهكذا قال ابن عمر رضي الله عنهما ومسروق وقتادة وأبو إسحاق ومعاوية بن قرة. وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلّى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا. قال غير مسدد: تعني قصيرة، فقال صلّى الله عليه وسلم:

«لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته» قالت: وحكيت له إنسانا فقال صلّى الله عليه وسلم:

«ما أحب أني حكيت إنسانا وإن لي كذا وكذا» ورواه الترمذي. والغيبة محرمة بالإجماع، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحته مصلحة كما في الجرح والتعديل، والنصيحة كقوله صلّى الله عليه وسلم لما استأذن عليه ذلك الرجل الفاجر: «ائذنوا له بئس أخو العشيرة» وكقوله صلّى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها وقد خطبها معاوية وأبو الجهم: «أما معاوية فصعلوك، وأما أبو الجهم فلا يضع عصاه عن عاتقه» وكذا ما جرى مجرى ذلك، ثم بقيتها على التحريم الشديد، وقد ورد فيها الزجر الأكيد؛ ولهذا شبهها تبارك وتعالى بأكل اللحم من الإنسان الميت، كما قال عزّ وجل أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ أي: كما تكرهون هذا طبعا، فاكرهوا ذاك شرعا، فإن عقوبته أشد من هذا، وهذا من التنفير عنها والتحذير منه كما قال صلّى الله عليه وسلم في العائد في هبته «كالكلب يقئ ثم يرجع في قيئه» وقد قال: «ليس لنا مثل السوء» وثبت في

<<  <  ج: ص:  >  >>