بما يكذب هذا العذر الموهوم. فمن الذي وهبهم الأمن؟ ومن الذي جعل لهم البيت الحرام؟ ومن الذي جعل القلوب تهوي إليهم تحمل من ثمرات الأرض جميعا؟ تتجمع في الحرم من كل أرض وقد تفرقت في مواطنها ومواسمها الكثيرة:
فما بالهم يخافون أن يتخطفهم الناس لو اتبعوا هدى الله والله هو الذي مكن لهم هذا الحرم الآمن منذ أيام أبيهم إبراهيم؟ أفمن أمنهم وهم عصاة، يدع الناس يتخطفونهم وهم نقاة؟! وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ .. لا يعلمون أين يكون الأمن، وأين تكون المخافة. ولا يعلمون أن مرد الأمر كله لله. فأما إن أرادوا أن يتقوا المهالك حقا، وأن يأمنوا التخطف حقا، فها هي ذي علة الهلاك فليتقوها: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا، وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ ..
إن بطر النعمة، وعدم الشكر عليها، هو سبب هلاك القرى. وقد أوتوا من نعمة الله ذلك الحرم الآمن؟ فليحذروا إذن أن يبطروا، وألا يشكروا، فيحل بهم الهلاك كما حل بالقرى التي يرونها ويعرفونها، ويرون مساكن أهلها الداثرين خاوية خالية .. لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وبقيت شاخصة تحدث عن مصارع أهلها، وتروي قصة البطر بالنعمة، وقد فني أهلها فلم يعقبوا أحدا، ولم يرثها بعدهم أحد وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ. على أن الله لم يهلك تلك القرى المتبطرة إلا وقد أرسل فيها رسولا. فتلك هي سنته التي كتبها على نفسه رحمة بعباده:
١ - أخرج النسائي ... قال عمرو بن شعيب عن ابن عباس ولم يسمعه منه أن الحارث بن عامر بن نوفل هو الذي قال: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا.
٢ - نلاحظ أن ذكر شبهة المشركين هذه جاءت بعد قوله تعالى إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ