وهذه البشائر طريق تحقيقها الجهاد، والبشارة القرآنية جاءت في معرض الأمر في القتال.
ولنعد إلى التفسير الحرفي:
لقد مر معنا في المقطع الثالث، أمر بقتال أهل الكتاب، كما مر معنا في المقطع الأول أمر بقتال المشركين، وذكر فيما بين المقطعين مقطع حدد معاني لا بد منها ليقوم القتال الإسلامي. ونحن لا زلنا في المقطع الثالث:
لقد مرت الفقرة الأولى منه، وفيها مظاهر من انحراف أهل الكتاب التي استوجبت قتالهم، وتأتي بعد ذلك فقرة وفيها نموذج على ضلال أهل الكتاب، ونموذج على ضلال مشركي العرب، وفي ذكر هذين النموذجين بيان لموجبات أخرى تستوجب قتال هؤلاء وهؤلاء، وفي ذلك بعث لهمم المسلمين أن يقاتلوا المشركين وأهل الكتاب.
[المعنى الحرفي للفقرة الثانية من المقطع الثالث]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ أي ليأخذونها عن غير طريق ما أحل الله وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي ويمنعون الناس عن سلوك طريق الله أي عن دينه الحق وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ يحتمل هذا النص أن يكون إشارة إلى الكثير من الأحبار والرهبان للدلالة على اجتماع خصلتين ذميمتين فيهم: أخذ الرشا، وكنز الأموال، والضن بها عن الإنفاق في سبيل الخير، ومن أشركهم في صفتهم الذميمة هذه من المسلمين، يدخل في حكمهم، ويحتمل أن يراد بالنص المسلمون الكانزون غير المنفقين، وقد قرن بينهم وبين المرتشين من أهل الكتاب تغليظا، والمراد بالكنز هنا على القول الراجح هو ما لم يؤد زكاته كما سنرى وَلا يُنْفِقُونَها أي هذه الكنوز والأموال فِي سَبِيلِ اللَّهِ فيما شرع وكما أمر فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ وأي عذاب أشد من النار
يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ أي يوم تحمى النار على الكنوز أي توقد فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ وخصت هذه الأعضاء لأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا، وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه وتولوا بأركانهم وولوه ظهروهم، أو معناه يكوون على الجهات الأربع مقاديمهم ومآخيرهم وجنوبهم هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ أي يقال لهم: أهذا ما كنزتموه لتنتفع به نفوسكم وما علمتم أنكم كنزتموه لتستضر به أنفسكم؟ وهو توبيخ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ أي فذوقوا وبال المال