للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنس رهقا أي: إثما لاستعاذتهم بهم، وأصل الرهق غشيان المحظور

وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا أي: وأن الإنس ظنوا كَما ظَنَنْتُمْ أيها الجن أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً أي: بعد الموت فالإنس كانوا ينكرون البعث كإنكار الجن، دلت الآيتان على أن من أخلاق الكفر والجاهلية الاستعاذة بغير الله وإنكار اليوم الآخر.

٦ - وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ قال النسفي: (أي: طلبنا بلوغ السماء واستماع كلام أهلها واللمس: المس، فاستعير للطلب لأن الماس طالب متعرف)، أقول:

تفسير اللمس بالطلب في هذا المقام هو تفسير عامة المفسرين، مما يشير إلى أن الوصول إلى السماء نفسها ومسها ليس مرادا بالآية، كل ما في الأمر أن الجن قبل الإسلام كانوا يصعدون إلى طبقات من الجو يتاح لهم فيها سماع الملائكة، وهم نازلون إلى الأرض يتحدثون مع بعضهم، فمنعوا حتى من مثل هذا، ومن قبل لم يكونوا ممنوعين منه، ومن ثم قالوا: فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً أي: أقوياء، والمراد بذلك الملائكة، وَشُهُباً جمع شهاب، وهي النيازك

وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها أي: من السماء قبل هذا مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ أي: لاستماع أخبار السماء، قال النسفي:

(يعني: كنا نجد بعض السماء خالية من الحرس والشهب قبل البعث) فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ أي: فمن يرد الاستماع بعد البعث يَجِدْ لَهُ أي: لنفسه شِهاباً رَصَداً أي: شهابا راصدا له ولأجله، قال ابن كثير: أي: من يروم أن يسترق السمع اليوم يجد له شهابا مرصدا له لا يتخطاه ولا يتعداه، بل يمحقه ويهلكه، وقال ابن كثير: (يخبر تعالى عن الجن حين بعث الله رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن، وكان من حفظه له أن السماء ملئت حرسا شديدا، وحفظت من سائر أرجائها، وطردت الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك لئلا يسترقوا شيئا من القرآن فيلقوه على ألسنة الكهنة، فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدرى من الصادق، وهذا من لطف الله تعالى بخلقه، ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز)، وهكذا عرف الجن أنهم قد انقطعوا عن أي خبر من أخبار السماء حتى لا يختلط على أحد أمر النبوة والرسالة بغيرها، وكل ذلك حفظ لجناب النبوة والرسالة.

٧ - وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أي: عذاب أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ يلاحظ أنهم أسندوا الشر إلى غير فاعل أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً أي: خيرا ورحمة، والملاحظ أنهم نسبوا الخير إلى الله عزّ وجل، قال ابن كثير: (وهذا من أدبهم في العبارة

<<  <  ج: ص:  >  >>