الله بعذاب، ولكنه سيحاسبه على عمله، ومن خلال العرض نفهم أن علينا أن لا نختلف في كتابنا، وأن نتمسك بما فيه، وأن نخضع للحق الذي أنزله، فلا نتأول ولا نزل فنكون كاليهود.
وإذ استقرت هذه المعاني تأتي الآن مجموعة أوامر ونواه:
١ - فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ أي فاستقم استقامة مثل الاستقامة التي أمرت بها غير عادل عنها وَمَنْ تابَ مَعَكَ أي وليستقم من تاب معك بأن رجع إلى الله مخلصا.
٢ - وَلا تَطْغَوْا أي ولا تخرجوا عن حدود الله إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ لا يغفل عن شئ، ولا يخفى عليه شئ، فهو مجازيكم فقفوا عند حدوده.
٣ - وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أي لا تميلوا إليهم، ولا ترضوا حالهم، ولا تتعاونوا معهم على إثم، ولا تلتحقوا بهم فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ بسبب هذا الركون وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ يقدرون على منعكم من عذابه ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ أفادت (ثم) هنا استبعاد النصرة أبدا، فالنصرة من الله مستبعدة حال الركون، أي ثم لا ينصركم هو لأنه حكم بتعذيبكم بسبب الركون.
٤ - وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ أي: غدوة وعشية، دخل في الطرف الأول الفجر، والطرف الثاني الظهر والعصر، لأن ما بعد الزوال عشي وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ أي وساعات من الليل، والزلف: جمع زلفة وهي ساعاته القريبة من آخر النهار، دخل في ذلك المغرب والعشاء إِنَّ الْحَسَناتِ مطلقا يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ مطلقا وأعظم الحسنات التي تذهب الذنوب الصلوات الخمس، وفي الحديث «وأتبع السيئة الحسنة تمحها» ذلِكَ إشارة إلى هذه الأوامر ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ أي عظة للمتعظين وفي قوله (للذاكرين) تصريح بأن الذي يتذكر هو من تحقق بصفة الذكر، فكان ذاكرا.
وَاصْبِرْ ختم هذه الأوامر والنواهي بالصبر لأنه لا يتم شئ من هذه الأوامر والنواهي إلا بالصبر، فلا الاستقامة، ولا الوقوف عند الحدود، ولا عدم الركون للظالمين، ولا إقامة الصلوات تكون إلا بالصبر. والمعنى: اصبر على امتثال ما أمرت به والانتهاء عما نهيت عنه، ثم بشر المطيعين والصابرين وسماهم محسنين فقال: فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ بل يثيبهم ويزيدهم، وفي هذا إشارة إلى أن المحسنين هم من اجتمع لهم تنفيذ هذه الأوامر والنواهي.