وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ. أي: وإن كان عظم وشق عليك كفرهم وعدم استجابتهم للإسلام فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ. أي: سربا ومنفذا تنفذ فيه إلى ما تحت الأرض حتى تطلع لهم آية يؤمنون بها أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ. أي: أو تجعل لك سلما في السّماء فتصعد فيه فتأتيهم بآية منها، والمعنى إنك لا تستطيع ذلك، والمراد بيان حرصه على إسلام قومه وأنه لو استطاع أن يأتيهم بآية من تحت الأرض، أو من فوق السماء لأتى بها رجاء إيمانهم، ولكنّ لله مرادا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى. أي: لجعلهم بحيث يختارون الهدى، ولكن لما علم أنهّم يختارون الكفر لم يشأ أن يجمعهم على ذلك فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ. أي: من الذين يجهلون ذلك، ويجهلون ما فيه من الحكم العظيمة
إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ.
أي: إنما يجيب دعاءك الذين يسمعون دعاءك بقلوبهم، أمّا غيرهم وهم الكفار فهؤلاء لا يسمعون، ولا يستجيبون ولذلك قال وَالْمَوْتى. أي: الكفار لأنهم موتى القلوب، فشبّههم الله بأموات الأجساد يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ فحينئذ يسمعون وأما قبل ذلك فلا.
[كلمة في السياق]
- تشكل المجموعات الثلاث الأخيرة كلا متكاملا، فهي كلها تعالج قول الكافرين وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا من خلال الحجة، والموعظة، والتذكير، والتسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتبصيره بحكمة الله- عزّ وجل- ولقد رأينا أن من حكمة الله- عزّ وجل- أن لا يهدي كل المكلفين، فذلك من مظاهر قهره وحكمته وعلمه، فالله- عزّ وجل- لا يهدي من لا يستحق الهداية، وهو أعلم بهم، وذلك من حكمته، وذلك من آثار قهره، وتعذيبهم كذلك هو أثر من آثار قهره وعلمه وحكمته، وهذا يذكرنا بالسياق الخاص للجولة.
- يلاحظ أن آخر آية في المجموعة الأخيرة هي: وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ولنتذكر أن محور السورة من البقرة فيه: ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ والخطاب هناك للكافرين كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ ... ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وهذا يؤكد ما ذكرناه من أن الجولة تفصل في محور السورة من البقرة. ولها سياقها الخاص، كما لها ارتباطها بالسياق القرآني العام.