قد يصابون بأمراض المنافقين أو الكافرين ويتخلقون بأخلاقهم، وإن لم يكن ثمة كفر أو نفاق، ولكنه الفسوق والمرض والانحراف فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ كقتل أو هزيمة أو كارثة قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً. أي: قال هذا المبطئ قد أنعم الله علي إذ لم أكن مع المسلمين الذين شهدوا القتال حاضرا، فيصيبني مثل ما أصابهم، يعد عدم حضوره مع المسلمين وقعة القتال، يعد ذلك من نعم الله عليه، ولم يدر ما فاته من الأجر في الصبر أو الشهادة إن قتل
وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ.
أي: من فتح أو نصر أو غنيمة لَيَقُولَنَّ. أي: هذا المبطئ متلهفا على ما فاته من الغنيمة، لا طلبا للمثوبة كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ. أي: كأنه لم يتقدم له معكم مودة، لأن المنافقين كانوا يوادون المؤمنين في الظاهر، وإن كانوا يبغون لهم الغوائل في الباطن. قال ابن كثير في تفسيرها: كأنه ليس من أهل دينكم. يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً. أي: يا ليتني كنت معهم فآخذ من الغنيمة حظا وافرا، فهذا أكبر قصده وغاية مراده، أن يضرب له بسهم مما ينال المسلمون من خير.
هذا هو منطق هؤلاء، وتصورهم، ينظرون إلى الأمور من خلال مصلحتهم ومنفعتهم لا من خلال أداء ما أوجب الله عليهم، ويقيسون الأمور بمقياس الربح والخسارة الدنيويين لا بمقياس طاعة الله، ومعرفتهم بالله قاصرة، إذ يتصورون أن تخلفهم عن الواجب مع نجاتهم من المصائب دليل رضى الله. وإذا أصاب المسلمين مصيبة وهم يقومون بواجبهم يعتبرون ذلك علامة خطأ ابتداء وانتهاء ناسين أن المسلمين الذين يصابون، على فرض أنهم أصيبوا نتيجة خطأ، فإن إصابتهم تكفر عنهم سيئاتهم، وفي قيامهم بالواجب أسقطوا فرض الله عنهم، وهؤلاء المثبطون والمتباطئون لم يفعلوا هذا وهذا. وإذ بين الله- عزّ وجل- حقيقة هذه النوعية من الناس الذي موقفها ترك القتال، والتثبيط عنه، يصدر الله- عزّ وجل- أمره التالي:
فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ يحتمل النص معنيين على حسب ما تفسر به كلمة الشراء، لأنها من كلمات الأضداد في اللغة العربية، تطلق على البيع والشراء بآن واحد، ويحدد ذلك السياق. فعلى أن المعنى المراد بها البيع يكون المعنى: فليقاتل المؤمنون الذين يستحبون الحياة الآجلة على العاجلة، ويستبدلونها بها.
فليقاتل هؤلاء في سبيل الله فلئن صد الذين مرضت قلوبهم وضعفت نياتهم عن القتال، فليقاتل الثابتون المخلصون. وأما معنى النص على أن المراد الشراء فيكون: فليقاتل هؤلاء