في الآية الأولى، يخبر تعالى أن من أهل الكتاب الأمناء، ومنهم الخونة، فالأمين منهم مهما ائتمنته بمال كثير أداه، ومنهم من إن تأمنه بالمال القليل لا يؤده إليك إلا إذا كنت قائما على حقك بالمطالبة والملازمة، والإلحاح لتستخلص حقك، وقادرا على استخلاصه. وسبب خيانة هؤلاء تصورهم أنه ليس عليهم حرج في أكل أموال غير أبناء دينهم؛ إذ يزعمون أن الله أحلها لهم ولو كانت أمانات. وهذا كذب على الله واختلاق، فإن الله حرم عليهم أكل الأموال إلا بحقها، وإنما هم قوم بهت.
- وفي الآية الثانية، بين الله- عزّ وجل- أن دينه وشرعه، الوفاء بالعهود، والتقوى التي منها أداء الأمانة إلى أهلها، وأنه- عزّ وجل- يحب المتقين، ولا تقوى إلا باتباع ما أنزل الله.
- وبمناسبة أن دين الله الوفاء بالعهود، وحفظ الأمانة، فإن الآية الثالثة، يبين الله- عزّ وجل- فيها، أن الذين يعتاضون عما عاهدوا الله عليه، وعن أيمانهم بالأثمان القليلة الزهيدة، وهي عروض هذه الحياة الدنيا الفانية الزائلة، أولئك لا نصيب لهم في الآخرة، ولا حظ لهم منها، ولا يكلمهم الله كلام لطف، ولا ينظر إليهم نظر رحمة، ولا يطهرهم من الذنوب، والأدناس، بل يأمر بهم إلى النار، ولهم عذاب أليم.
- وكما أخبر أن بعض أهل الكتاب خائن، ولا يفي بعهد أو يمين، فإنه يخبر في الآية الرابعة، أن منهم فريقا، يحرفون الكلم عن مواضعه، ويبدلون كلام الله ويزيلونه عن المراد به، ليوهموا الجهلة أنه من كتاب الله، وينسبونه إليه- عزّ وجل- وهو كذب على الله، وهم يعلمون أنهم قد كذبوا، وافتروا في ذلك كله، والآيات تنطبق أول ما تنطبق على اليهود. وهي عامة.
[المعنى الحرفي]
وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ أي مال كثير يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ أي بمال قليل كالدينار أو أقل لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً على رأسه، ملازما له ذلِكَ أي أن عدم أداء الأمانة سببه بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ أي إن تركهم الحقوق بسبب قولهم إنهم لا يتطرق عليهم إثم، وذم، في شأن الذين ليسوا على دينهم، ويفهم من هذا أنهم كانوا يستحلون ظلم