عن عبادة الله، المستكبرون عنها، فإن الله يعذبهم عذابا أليما، ولا يجدون من ينصرهم أو ينقذهم.
[المعنى الحرفي]
يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ. أي: لا تجاوزوا الحد فيه، وكمثال على الغلو غلو يهود في حط المسيح عن منزلته، حتى قالوا: إنه ابن زنا، وغلو النصارى في رفعه عن مقداره حيث جعلوه ابن الله. والغلو باب واسع يدخل فيه أشياء كثيرة من قضايا العقائد إلى العبادات إلى غير ذلك. وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ. أي:
لا تصفوه إلا بصفاته العليا، وأسمائه الحسنى، وإلا بما يليق به من الحق، فلا تجعلوا له صاحبة ولا ولدا، أو غير ذلك مما لا يليق به. وفي هذا السياق يقرر حقيقة المسيح التي غلا فيها من غلا. إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ فليس ابنا لله ولا هو رب، وإنما رسول الله كبقية رسله وَكَلِمَتُهُ سماه الله- عزّ وجل- كلمته لأنه يهتدى به كما يهتدى بالكلام، أو لأنه خلق بالكلمة التي أرسل بها جبريل عليه السلام إلى مريم، فكأنه خلق بكلمة الله المباشرة كن فكان، ولم يخلق على حسب عالم الأسباب. قال شاذ بن يحيا: ليست الكلمة صارت عيسى، ولكن بالكلمة صار عيسى أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ. أي: أوصلها إليها، وحصلها فيها، جاء بها جبريل إلى مريم، فنفخ فيها بإذن الله فكان عيسى وَرُوحٌ مِنْهُ. أي: روح مصدرها منه، ومخلوقة من قبله بتخليقه وتكوينه، وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله كقوله تعالى في سورة الجاثية: وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ. أي: من خلقه ومن عنده، وليست من للتبعيض، بل هي لابتداء الغاية. وسمي المسيح روحا لأنه كان يحيي الموتى، ويحيي موات القلوب بإذن الله، وبما آتاه الله، وألقاه عليه من المحبة والجمال والجلال. فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ.
أي: فصدقوا بأن الله واحد أحد، لا ولد له ولا صاحبة، وآمنوا بكل رسل الله، ومنهم عيسى ومحمد والجميع عبيده وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ. أي: ولا تقولوا الإله ثلاثة: أب وابن وروح القدس انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ. أي: انتهوا عن التثليث يكن الانتهاء خيرا لكم إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ. أي: تعالى وتقدس عن ذلك علوا كبيرا، يسبح تسبيحا من أن يكون له ولد، وأنى يكون له ولد؟.