فإن مجئ قوله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ بعد كل قصة من قصص السابقين في السورة- ما عدا القصة الأخيرة- ويفيد أن تذكروا ولا تكذبوا فيصيبكم ما أصابهم، فالحجة قائمة عليكم، والقرآن ميسر لكم لتتذكروا به، فلا تعرضوا عنه، ولا تكذبوه، واتعظوا بمواعظه، والتزموا أمره ونهيه.
٢ - في ما قصه الله عزّ وجل علينا من شأن قوم نوح نموذج على تكذيب الكافرين لرسلهم، ونموذج على عدم انتفاعهم بالإنذار، ونموذج على نصرة الله رسله، ونموذج على عقوبة الله في الدنيا لمن كذب رسله، وفي ذلك موعظة لأهل الإيمان، وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ودروس للخلق جميعا، وما يقال هنا يقال في كل قصة سترد معنا في المجموعة الثانية.
٣ - إن صلة الآيات المارة معنا والتي ستمر من المجموعة الثانية بقوله تعالى في المحور: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ واضحة، فالمجموعة تقدم لنا نماذج على عدم انتفاع الكافرين بالإنذار، وعلى نماذج من العذاب العظيم لهم في الدنيا، ولعذاب الآخرة أكبر.
...
[تفسير الفقرة الثانية]
كَذَّبَتْ عادٌ أي: قوم هود فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ أي: انذاراتي لهم بالعذاب قبل نزوله، أو انذاراتي في تعذيبهم لمن بعدهم
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً أي: باردة أو شديدة الصوت قال ابن كثير: وهي الباردة الشديدة البرد فِي يَوْمِ نَحْسٍ أي: في يوم شؤم عليهم مُسْتَمِرٍّ أي: دائم الشر عليهم، فقد استمر حتى أهلكهم قال ابن كثير:(أي مستمر عليهم نحسه ودماره، لأنه يوم اتصل فيه عذابهم الدنيوي بالأخروي)
تَنْزِعُ الريح النَّاسَ أي: تقلعهم عن أماكنهم، وتنزعهم وتكبهم، وتدق رقابهم كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ أي: كأنهم أصول نخل منقلع عن مغارسه، قال النسفي: وشبهوا بأعجاز النخل؛ لأن الريح كانت تقطع رءوسهم فتبقي أجسادا بلا رءوس فيتساقطون على الأرض أمواتا، وهم جثث طوال كأنهم أعجاز نخل، وهي أصولها بلا فروع، وقال ابن كثير: وذلك أن الريح كانت تأتي أحدهم فترفعه حتى تغيبه عن الأبصار، ثم تنكسه على أم رأسه، فيسقط إلى