لَمُشْرِكُونَ وهكذا قال مجاهد والضحاك وغير واحد من علماء السلف رحمهم الله.
وقوله تعالى وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ أى: حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره، فقدّمتم عليه غيره. فهذا هو الشرك كما قال تعالى:
اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ الآية (التوبة: ٣١). وقد روى الترمذي في تفسيرها عن عدي بن حاتم أنه قال: يا رسول الله ما عبدوهم. فقال:
«بلى، إنّهم أحلّوا لهم الحرام وحرّموا عليهم الحلال فاتّبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم».
اه كلام ابن كثير. فإذا كان اتّباع رجال الدين إذا أحلّوا الحرام أو حرّموا الحلال شركا فكيف بطاعة الزعماء والساسة والمجالس التشريعية وغير ذلك في تعطيل شريعة الله أو في إلغائها، أو في سنّ التشريعات المخالفة لها مع التأييد لهم والدّفاع عنهم واعتقاد أنّ ما فعلوه هو الحق.
٤ - اتضح من الآيات الأخيرة أن الإيمان بالله يقتضي إيمانا بشرعه وتسليما له، وأن عدم الإيمان والتسليم بشرعه، وطاعة الكافرين في الانحراف عنه ورفضه شرك كبقية أنواع الشرك، وهذا يؤكد لنا أن سورة الأنعام تفنّد الكفر، وما يقوم على الكفر، وتبني الإيمان بالله وما يقوم على هذا الإيمان.
[عودة إلى السياق]
بعد أن عرفنا أنّه لا إيمان إلا بمشيئة الله، وعرفنا حكمة الله وسننه في إضلال من يضل، ورأينا نموذجا على الهداية والضلال في موضوع الذبائح، وعرفنا أن هذا القرآن حق وعدل، بعد أن عرفنا هذا كله؛ فاستقرّت في القلب قيمة الهداية الربانية، تأتي الآن آية تبيّن فضل الله على من هداه؛ وبذلك تنتهي المجموعة الأولى من الفقرة:
أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ. أي: أو من كان كافرا فهديناه لأن الإيمان حياة القلوب وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ. أي مستضيئا به والمراد به اليقين كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ. أي: كمن صفته في الظلمات يخبط فيها لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها. أي: لا يفارقها ولا يتخلّص منها. والآية عامّة في كلّ من هداه الله، وفي كل من أضلّه الله، فبيّن أن مثل المهتدي مثل الميت الذي أحيي وجعل مستضيئا يمشي في الناس بنور الحكمة والإيمان، ومثل الكافر مثل من هو في الظلمات لا يتخلص منها كَذلِكَ. أي: كما زين للمؤمن إيمانه زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ. أي: بتزيين الله ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي: أعمالهم.