للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من جديد، ولا يعجزه أن يعاقب من كفر بأنواع العذاب الدنيوي، ثم إن آياته أكثر وأكبر وأبهر من أن يقترح عليه آيات أخرى تدل عليه، كيف ومن آياته ما رأيناه لمن تفكر وعقل، فإذا اتضح هذا فلنر كيف عرض القرآن هذه المواقف للكافرين في السياق الذي تبطل فيه هذه المواقف قبل عرضها

[الموقف الأول]

وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أي فقولهم هذا حقيق بأن يتعجب منه؛ لأن من قدر على إنشاء ما عدد عليك كانت الإعادة أهون شئ عليه وأيسره، فكان إنكارهم أعجوبة من الأعاجيب، كيف وقد شاهدوا من آياته وآثار صفاته ما هو أعجب مما كذبوا به، وهكذا بين لنا القرآن أن البعث بديهية من البديهيات لمن عرف الله وعرف آياته، ثم بين أن هؤلاء الذين يستبعدون البعث ولا يؤمنون باليوم الآخر إنما هم كفار بالله أصلا، ومن ثم قال: أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ إذ لو كانوا يؤمنون بالله ويعرفونه حق المعرفة لآمنوا بالبعث، دل ذلك على أن الإيمان بالله يستتبع- بالضرورة- الإيمان باليوم الآخر، فمن عرف قدرة الله لا يستكثر عليها أن تعيد الخلق، ومن عرف عدله عرف ضرورة وجود اليوم الآخر، ومن عرف حكمته عرف ضرورة وجود اليوم الآخر، ومن عرف عزته وانتقامه وكرمه ورحمته عرف ضرورة اليوم الآخر، وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ جزاء لهم على كفرهم بالله واليوم الآخر وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ أي ماكثون فيها أبدا، لا يحولون عنها ولا يزولون، وقد دل تكرار (أولئك) على تعظيم الأمر. هذا هو الموقف الأول من مواقف الكافرين، وقد رأينا كيفية عرضه، وعرفنا أن العجب هو عدم الإيمان باليوم الآخر وليس الإيمان به، وأي عجب أعجب من أن يدعي الإنسان معرفة الله ثم لا يرتب على ذلك ما تقتضيه هذه المعرفة.

[الموقف الثاني]

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ أي هؤلاء الكافرون المكذبون بِالسَّيِّئَةِ أي بالعقوبة قَبْلَ الْحَسَنَةِ أي قبل العافية، من شدة كفرهم وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ أي عقوبات أمثالهم من المكذبين، فما لهم لم يعتبروا بها؟ والمثلة: العقوبة، لما بين العقاب والمعاقب عليه من المماثلة، لقد أوقع الله نقمته بالأمم المكذبة الخالية، وجعلهم عبرة وعظة لمن اتعظ بهم، ومع ذلك فهؤلاء يستعجلون العذاب وما استعجالهم إلا لعدم إيمانهم ولكفرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>