وفي هذا المقطع من سورة آل عمران، يعجب الله من هؤلاء الذين يرفضون هذه الدعوة أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ. وهاهنا يعلل بأن سر هذا الموقف ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ. فههنا تعليل مباشر لسر موقفهم من الدعوة وهو هذا الاعتقاد فبينما فهمنا في سورة البقرة من السياق بشكل غير مباشر أن سر مواقفهم هو اعتقادهم الباطل هذا فإننا هنا نفهمه بشكل مباشر.
ولقد رأينا في سورة البقرة أن من أسباب تحريف أهل الكتاب لكلام الله حبهم الدنيا، وأخذهم إياها، ومن ثم نلاحظ في هذا المقطع أنه قد جاء قوله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ .. تطهيرا للنفس البشرية، أن تطلب رزق الله في معصية الله، والكفر به.
ولعل في هذا القدر كله كفاية في التعريف بالمقطع ومحله في سياق السورة، ومحله في السياق القرآني العام، ثم في التعريف على تسلسل معانيه، فلنعرض فقراته:
المعنى العام: في هذا النص إخبار من الله تعالى، بأن لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام. وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به، والاستسلام لله فيه قولا وعملا واعتقادا. ثم أخبر تعالى بأن الذين أوتوا الكتاب الأول، إنما اختلفوا بعد ما قامت عليهم الحجة بإرسال الرسل إليهم، وإنزال الكتب عليهم: سواء فيما بين أهل الكتاب الواحد منهم، أو بين أهل كتاب وكتاب بسبب بغي بعضهم على بعض. فاختلفوا في الحق بتحاسدهم وتباغضهم وتدابرهم، فحمل بعضهم بغض البعض الآخر على مخالفته في جميع أقواله وأفعاله وإن كانت حقا. ثم بين الله عزّ وجل أن من جحد ما أنزل الله في كتابه فإن الله سيجازيه ويحاسبه على تكذيبه ويعاقبه على مخالفة كتابه، وإذ تتقرر حقيقة