إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ أي: القرآن لِلنَّاسِ أي: لأجلهم ولأجل حاجتهم إليه، ليبشّروا وينذروا فتقوى دواعيهم إلى اختيار الطاعة على المعصية، وقال ابن كثير (أي: لجميع الخلق من الإنس والجن لتنذرهم به) أي: لأجل الناس ومصالحهم الدنيوية والأخروية بِالْحَقِّ الخالص الذي لا يخالطه باطل فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ أي: فإنّما يعود نفع ذلك إلى نفسه وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها أي: إنما يرجع وبال ذلك على نفسه، قال النسفي:(أي: فمن اختار الهدى فقد نفع نفسه، ومن اختار الضّلالة فقد ضرّ) وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ أي: بحفيظ ثم أخبر تعالى بأنه الحفيظ القدير عليهم
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وتوفيها إماتتها: وهو أن يسلب ما هي به حيّة حسّاسة درّاكة وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أي: يتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها، أي: يتوفّاها حين تنام، تشبيها للنائمين بالموتى حيث لا يتصرفون كما أنّ الموت كذلك. قال ابن كثير:(قال تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة بأنّه المتصرف في الوجود بما يشاء، وأنّه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى، بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان، والوفاة الصغرى عند المنام) إِنَّ فِي ذلِكَ أي: في توفي الأنفس مائتة ونائمة، وإمساكها أو إرسالها إلى أجل لَآياتٍ على قدرة الله وعلمه لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ أي: يجيلون في ذلك أفكارهم ويعتبرون.
[كلمة في السياق]
ما الصلة بين إنزال الكتاب على محمد صلّى الله عليه وسلم وبين توفي الأنفس؟ أي: الصلة بين الآية الأولى والآية الثانية في هذا المقطع؟ إن الآية الثانية بيّنت أنّ روح الإنسان في قبضة الله عزّ وجل، فهو يتوفّاها الوفاة الكبرى، ويتوفّاها الوفاة الصغرى، وهذا يقتضي من الإنسان أن يستجيب لأمر الله، ويهتدي بهداه الذي أنزله الله على رسوله عليه الصلاة والسلام، كما أن في ذكر الوفاة، وكونها بيد الله، تعزية لرسول الله صلّى الله عليه وسلم. فإذا تنكّب أحد عن الهدى فإنّ الآية تذكّر بإحاطة الله عزّ وجلّ به، فإذا عرفنا الصلة بين الآيتين فلنتذكر الصلة بين الآية الأولى منهما وبين محور السورة، قال تعالى في سورة البقرة.