تتحدث عنهم فيما بعد وهي الآيات (٢٠٤)، (٢٠٥)، (٢٠٦). وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ* وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ* وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ. لاحظ قوله تعالى: يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ ثم لاحظ أن المجموعة القادمة من الفقرة الأولى في سورة المنافقين تبدأ بقوله تعالى: وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ مما يشير إلى أن المجموعة الثانية تفصل في هذا، وفي ذلك إشارة إلى أن هذه الآيات الموجودة في أعماق سورة البقرة مشدودة إلى ما سبق ذكره عن المنافقين في مقدمة سورة البقرة، ومن كل ما مر ندرك أن لسورة المنافقون سياقها الخاص في تبيان ملامح المنافقين، ولها كذلك صلتها بمحورها من سورة البقرة والمعاني المرتبطة بهذا المحور من سورة البقرة كلها.
[تفسير المجموعة الثانية من الفقرة الأولى]
وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ قال النسفي:
(والخطاب في وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ لرسول الله، أو لكل من يخاطب وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كان ابن أبي رجلا جسيما صبيحا فصيحا، وقوم من المنافقين في مثل صفته، فكانوا يحضرون مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فيستندون فيه ولهم جهارة المناظر وفصاحة الألسن، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ومن حضر يعجبون بهياكلهم، ويسمعون إلى كلامهم)، وقال ابن كثير:(أي: وكانوا أشكالا حسنة وذوي فصاحة وألسنة وإذا سمعهم السامع يصغي إلى قولهم لبلاغتهم، وهم مع ذلك في غاية الضعف والخور والهلع والجزع والجبن) كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ أي: إلى حائط. قال النسفي:
(شبهوا في استنادهم- وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير- بالخشب المسندة إلى الحائط، لأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع، وما دام متروكا غير منتفع به أسند إلى الحائط، فشبهوا به في عدم الانتفاع، أو لأنهم أشباح بلا أرواح، وأجسام بلا أحلام) يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ قال ابن كثير: أي: كلما وقع أمر أو كائنة أو خوف يعتقدون- لجبنهم- أنه نازل بهم، وقال النسفي:(أي: يحسبون كل صيحة واقعة عليهم وضارة لهم، لخيفتهم ورعبهم، يعني إذا نادى مناد في العسكر، أو انفلتت دابة، أو أنشدت ضالة، ظنوه إيقاعا بهم)