داود وسليمان عليهما السلام، ولكنه علو لا يرافقه فساد، ولعل ما هم فيه الآن نموذج على علو وفساد: فها هم لهم دولة، وهاهم لهم سلطان وهيمنة عالميان، وهم يستعملون ذلك في إفساد كل شئ.
٢ - [أوجه تفسير الآيات حسب تحديد زمان وموضوع إفسادتي بني إسرائيل]
يحتمل أن يكون بختنصر موحّدا سلّطه الله على اليهود، ولكن لم تصلنا تفصيلات صحيحة عن وضعه الديني، ومن رأى ما يقوله اليهود في أنبيائهم، والنصارى في عيسى بن مريم لم يستغرب عدم وصول الوصف السليم عن أحد من القدماء. على ضوء هاتين المقدمتين نقول:
إن الآيات تذكر أن الذين يسلطون على بني إسرائيل أوّل مرّة هم الذين يسلّطون عليهم ثاني مرّة، يلاحظ ذلك من عودة الضمير على المذكورين أولا في قوله تعالى:
فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ. ويلاحظ أنه جاء في آخر السورة قوله تعالى: وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً فهل المراد بالآخرة هنا المرة الآخرة التي وردت من قبل؟ أو المراد بها ما يقابل الدنيا؟ فإذا كان يراد بها ما يقابل الدنيا لم تعطنا شيئا له علاقة في موضوعنا، أما إذا كان لها علاقة بموضوعنا فإنها تلقي ضوءا عليه، كما أن ذكر المسجد ودخول الأقوام إليه، يلقي ضوءا على الموضوع.
يبدو بما لا يقبل الجدل أن الإفسادة الأولى هي التي سلّط عليهم بها بختنصر، فهي الإفسادة التي رافقها بغي وطغيان وعتو، والتي يدور حولها كثير من كلام العهد القديم، وما قبل ذلك لا نعرف أنه حدث لبني إسرائيل مثل هذا الدمار، ولم يحدث أن قوما سيطروا على المسجد الأقصى وجاسوا خلال الديار.
فهل الإفسادة الثانية هي ما نراه الآن؟ إذ لهم دولة وسلطان، وإفساد وطغيان. يمكن أن نفهم المسألة كذلك إذا كان قوله تعالى: وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً إذا كانت الآخرة هنا تفيد (المرة الآخرة). وإذا كان هذا القول جاء متأخرا عن حياة موسى عليه السلام، وإذا كانت الأرض في الآية المراد بها عموم الأرض وليست أرض فلسطين من باب وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً. فإذا كانت هذه الافتراضات صحيحة يكون معنى الآية:
وقلنا من بعد موسى لبني إسرائيل اسكنوا الأرض كلها متفرقين، فإذا جاء وعد