للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بين يدي سورة الملك]

قال الألوسي في تقديمه لهذه السورة: (ووجه مناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ضرب مثلا للكفار بتينك المرأتين المحتوم لهما بالشقاوة وإن كانتا تحت نبيين عظيمين، ومثلا للمؤمنين بآسية ومريم، وهما محتوم لهما بالسعادة، وأن أكثر قومهما كفار افتتح هذه بما يدل على إحاطته عز وجل وقهره وتصرفه في ملكه على ما سبق به قضاؤه، وقيل إن أول هذه متصل بقوله تعالى في آخر سورة الطلاق: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ لما فيه من مزيد البسط لما يتعلق بذلك، وفصل بسورة التحريم لأنها كالقطعة من سورة الطلاق والتتمة لها، وقد جاء في فضلها أخبار كثيرة منها ما مر آنفا، ومنها ما أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له: تبارك الذي بيده الملك» ومنها ما جاء في حديث رواه الطبراني وابن مردويه بسند جيد عن ابن مسعود، وآخر رواه عنه جماعة وصححه الحاكم: من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب، وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقرأ الم تنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك كل ليلة لا يدعهما في سفر ولا حضر، ولهذا ونحوه قيل يندب قراءتها كل ليلة).

وقال صاحب الظلال عن هذه السورة: (وهذه السورة- سورة تبارك- تعالج إنشاء تصور جديد للوجود وعلاقاته بخالق الوجود. تصور واسع شامل يتجاوز عالم الأرض الضيق وحيز الدنيا المحدود، إلى عوالم في السماوات، وإلى حياة في الآخرة.

وإلى خلائق أخرى غير الإنسان في عالم الأرض كالجن والطير، وفي العالم الآخر كالجن وخزنتها، وإلى عوالم في الغيب غير عالم الظاهر تعلق بها قلوب الناس ومشاعرهم، فلا تستغرق في الحياة الحاضرة الظاهرة، في هذه الأرض. كما أنها تثير في حسهم التأمل فيما بين أيديهم وفي واقع حياتهم وذواتهم مما يمرون به غافلين.

وهي تهز في النفوس جميع الصور والانطباعات والرواسب الجامدة الهامدة المتخلفة من تصور الجاهلية وركودها؛ وتفتح المنافذ هنا وهناك، وتنفض الغبار، وتطلق الحواس والعقل والبصيرة ترتاد آفاق الكون، وأغوار النفس، وطباق الجو، ومسارب الماء، وخفايا العيوب، فترى هناك يد الله المبدعة، وتحس حركة الوجود المنبعثة من

<<  <  ج: ص:  >  >>