للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في آخر آيتي المحور ورد قوله تعالى بعد أن عدد نعمه: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وفي قوله تعالى: يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ... تصريح بأن الخلق كلهم عند الاحتياج إليه موحدون، فصلة ذلك بمحور السورة واضحة، ومن ثم فإنكاره جل جلاله على من يكذب من الإنس والجن بعد ذكره سؤال الخلق كلهم له إنكار على شرك من أشرك، وعلى من لم يعبده ويتقه، وبعد أن عرض الله عزّ وجل آلاءه التي تقتضي توحيده وعبادته وشكره، وأنكر وعجب ممن يكذب بها فلا يعمل بما تقتضيه تبدأ السورة بالإنذار، ثم تثني بالتبشير، تبدأ بالترهيب أولا، ثم بالترغيب، لتحمل الإنسان على التوحيد والعبادة والتقوى، أي: على الشكر. ويبدأ الترهيب بالإنذار فتنتهي به المجموعة الثانية، ثم تأتي المجموعة الثالثة فترهب وترغب في أمر الآخرة فلنر تتمة المجموعة الثانية.

...

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ أي: أيها الإنس والجن. قال النسفي: (مستعار من قول الرجل لمن يتهدده سأفرغ لك، يريد سأتجرد للإيقاع بك من كل ما يشغلني عنه، والمراد: التوفر على النكاية فيه، والانتقام منه). قال ابن كثير: قال الضحاك: هذا وعيد.

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فلا تشكران ولا تعبدان ولا تتقيان، كأنه لا حساب ولا عقاب، ولا رب محاسب

يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا أي: تخرجوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا أي: فاخرجوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ أي: لا تقدرون على النفوذ إلا بسلطان منا نعطيه لكم

يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ أي: لهب مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ أي:

ودخان، وعن مجاهد أنه النحاس المعروف كمعدن فَلا تَنْتَصِرانِ إذا لم نعطكم سلطان النفوذ، ومن ثم نلاحظ أن رواد الفضاء في عصرنا يلاحظ في تركيب بذلاتهم وملابسهم الخارجية، وفي تركيب الغلاف الخارجي للمركبات الفضائية أن تكون قادرة على تحمل الشهب

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فلا تشكران من علمكم قضية النفوذ من أقطار السموات والأرض، ولنا عودة إلى هذه المعاني في الفوائد، وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الآية في الآخرة، وليس الأمر كذلك، فالسياق لا يدل عليه، والآية كما أنها تدل على النفوذ المقيد فإنها تدل على العجز عن النفوذ المطلق، وفي ذلك تذكير للإنسان بعبوديته، ومحدوديته التي تقتضي منه الخضوع بالعبادة، والتقوى لله رب العالمين، ومن ثم كان المعنيان الأخيران فيهما طابع التهديد والوعيد، والتذكير

<<  <  ج: ص:  >  >>