وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ أي: المصير والمرجع إلى الله، في حال موتكم أو قتلكم، فلتعملوا، ولتحسنوا، وكلوا أمركم في الحياة وغيرها إلى الله.
كذب الكافرين أولا في زعمهم أن السفر أو الغزو يقصران الآجال، ونهى المسلمين عن اعتقاد ذلك وقوله؛ لأنه، سبب التقاعد عن الجهاد، ثم بين لهم أنه إن تم عليكم ما تخافونه من الهلاك بالموت أو القتل في سبيل الله، فإن ما تنالونه من المغفرة والرحمة بالموت في سبيل الله، خير مما يجمعونه من الدنيا، فإن الدنيا زاد المعاد للعاقلين. فإذا وصل العبد إلى المراد لم يحتج إلى الزاد.
فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ أي: فبرحمة من الله كان لينك للمؤمنين، ومعنى الرحمة: ربطه على جأشه، وتوفيقه للرفق، والتلطف بهم. دل على أن لينه لهم ما كان ليكون إلا برحمة من الله تعالى، وامتنان الله على المؤمنين بهذا في السياق يدل على أن كل مبررات مطاوعة الكافرين، ومسايرتهم، لا يجوز وجودها، بل يجب انتفاؤها لوجود الكمال في القائد وسلوكه، وتعامله، ولوجود الكمال في الدعوة كما سيمر. وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ الفظ: هو الجافي الغليظ الكلام، وغليظ القلب: قاسيه، والانفضاض:
التفرق أي: لو كنت سيئ الكلام، قاسي القلب لتفرقوا عنك حتى لا يبقى حولك أحد، فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الشأن معه لو كان كذلك لتفرق عنه الناس، وهو المفروض على الناس اتباعه، فما بال غيره. فليتق الله أحد أعطاه الله قيادة، أو إمامة للمسلمين ألا يرفق. بهم ثم أمر الله رسوله فَاعْفُ عَنْهُمْ بدوام إحسانك للمسيئ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ الله فيما يختص بحقه إتماما للشفقة عليهم، وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ أي: في كل ما يختص من أمورهم من حرب لسلم لغير ذلك، مما لم ينزل عليك فيه وحي تطييبا لنفوسهم، وترويحا لقلوبهم، ورفعا لأقدارهم، وتوعية لهم على قضاياهم، وتسييرا لهم من حيث يقتنعون أنه المصلحة، واستخراجا لطاقات عقولهم فيما هو خير لمجموعهم.
فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ. أي: فإذا قطعت الرأي على شئ بعد الشورى، فتوكل على الله في إمضائه إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ. أي: المعتمدين عليه والمفوضين أمورهم إليه، يأخذون بالأسباب، ويقومون بحق الله، وتنفيذ أمره باستنفاد الوسع، وبذل الطاقة، ولا يعتمدون إلا على الله.
[فوائد حول الآية]
١ - قال الحسن البصري في هذه الآية:«هذا خلق محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله به»