وفي تفسير قوله تعالى لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ أقوال للمفسرين يذكرونها كيلا يفهم فاهم أن لله علما حادثا وهو جل جلاله لم يزل عالما فيقولون فيها: «أي لنعلم كائنا أو موجودا ما قد علمناه أنه يكون ويوجد. فالله تعالى عالم أزلا بكل ما أراد وجوده أنه يوجد، في الوقت الذي شاء وجوده فيه أو: ليميز التابع من الناكص. فوضع العلم موضع التمييز. لأن العلم يقع به التمييز. أو: ليعلم الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنون ذلك. وإنما أسند علمهم إلى ذاته لأنهم خواصه مثل قوله تعالى في سورة الفتح إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ أو: هو على ملاطفة الخطاب لمن لا يعلم كقولك لمن ينكر ذوب الذهب (فلنلقه في النار لنعلم أ
يذوب) وهو يعلم أنه يذوب.
أو: المراد به الجزاء أي: لنجازي الطائع والعاصي. وكثيرا ما يعلم التهديد في القرآن بالعلم»
ولكي لا يفهم فاهم أن الصلاة إلى بيت المقدس ليس لها أجر، أو هي في إبان فرضها ليس لها فضل قال تعالى وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ أي: صلاتكم إلى القبلة المنسوخة التي هي أثر إيمانكم، سمى الصلاة إيمانا لأن أهل الإيمان هم الذين يعلمون وجوبها فيؤدونها. وبها يحيا الإيمان ويستمر ويستقر ويعلم، وقبولها إنما هو من أهل الإيمان وأداؤها في الجماعة دليل الإيمان. في الصحيح عن البراء قال:«مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس. فقال الناس: ما حالهم في ذلك؟ فأنزل الله وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ» ورواه الترمذي عن ابن عباس وصححه. ثم علل تعالى لعدم إضاعته إيمان المؤمنين بقوله: إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ فلا يضيع أجورهم.
والرأفة في اللغة: أشد من الرحمة وجمع بينهما كما في الرحمن الرحيم. وبهذا انتهت الفقرة الأولى من مقطع القبلة وهي بمثابة المقدمة للأمر بالتوجه إلى المسجد الحرام.
[فوائد]
١ - في عملية استقراء لمظاهر الوسطية في هذه الأمة يقول صاحب الظلال:
إنها الأمة الوسط التي تشهد على الناس جميعا فتقيم بينهم العدل والقسط، وتضع لهم الموازين والقيم. وتبدي فيهم رأيها فيكون هو الرأي المعتمد، وتزن قيمهم وتصوراتهم