أبي زهير الثقفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم» قالوا:
بم يا رسول الله؟. قال:«بالثناء الحسن والثناء السيئ أنتم شهداء الله في الأرض» ورواه ابن ماجه والإمام أحمد.
ثم علل تعالى لاعتماد بيت المقدس أولا، والانتقال إلى الكعبة ثانيا بقوله: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ. وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ أي: إنما شرعنا ذلك يا محمد: التوجه أولا إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة؛ ليظهر حال من يتبعك ويستقبل معك حيثما توجهت، ممن ينقلب على عقبيه أي: مرتدا عن دينه وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً أي هذه الفعلة وهي صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة إنه لعظيم شاق على النفوس، إلا على الذين هدى الله قلوبهم وأيقنوا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه. وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. فله أن يكلف عباده بما شاء وينسخ ما يشاء. فله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك. بخلاف الذين في قلوبهم مرض فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكا. كما يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق .. وفي الحكمة التربوية التي نصت عليها الآية تعليلا لتحويل القبلة إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ يقول صاحب الظلال:
«وكما كان الإسلام يريد استخلاص القلوب لله، وتجريدها من التعلق بغيره، وتخليصها من كل نعرة وكل عصبية لغير المنهج الإسلامي المرتبط بالله مباشرة، المجرد من كل ملابسة تاريخية أو عنصرية أو أرضية على العموم ... فقد نزعهم نزعا من الاتجاه إلى البيت الحرام، واختار لهم الاتجاه- فترة- إلى المسجد الأقصى؛ ليخلص نفوسهم من رواسب الجاهلية، ومن كل ما كانت تتعلق به في الجاهلية، وليظهر من يتبع الرسول اتباعا مجردا من كل إيحاء آخر. اتباع للطاعة الواثقة الراضية المستسلمة، ممن ينقلب على عقبيه؛ اعتزازا بنعرة جاهلية، تتعلق بالجنس والقوم، والأرض والتاريخ، أو تتلبس بها في خفايا المشاعر وحنايا الضمير أي تلبس من قريب أو من بعيد ... حتى إذا استسلم المسلمون، واتجهوا إلى القبلة التي وجههم إليها الرسول صلى الله عليه وسلم وفي الوقت ذاته بدأ اليهود يتخذون من هذا الوضع حجة لهم، صدر الأمر الإلهي الكريم بالاتجاه إلى المسجد الحرام. ولكنه ربط قلوب المسلمين بحقيقة أخرى بشأنه هي حقيقة الإسلام. حقيقة أن هذا البيت بناه إبراهيم وإسماعيل ليكون خالصا لله، وليكون تراثا للأمة المسلمة التي نشأت تلبية لدعوة إبراهيم ربه أن يبعث في بنيه رسولا منهم، بالإسلام الذي كان عليه