للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعائه لحصوله عنده، وإن لم يكن الدعاء سببا للفرار في الحقيقة) وقال ابن كثير:

أي: كلما دعوتهم ليقتربوا من الحق فروا منه وحادوا عنه

وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ إلى الإيمان بك وعبادتك وتقواك لِتَغْفِرَ لَهُمْ أي: ليؤمنوا فتغفر لهم جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ أي: سدوا مسامعهم لئلا يسمعوا كلامي وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ أي: وتغطوا بثيابهم لئلا يبصروني كراهة النظر إلى وجه من ينصحهم في دين الله، قال ابن عباس: تنكروا له لئلا يعرفهم، وقال سعيد بن جبير: أي: غطوا رءوسهم لئلا بسمعوا ما يقول وَأَصَرُّوا أي: وأقاموا على كفرهم، أي:

استمروا على ما هم فيه من الشرك والكفر العظيم الفظيع وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً أي: تعظموا عن إجابتي، واستنكفوا عن اتباع الحق والانقياد له

ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً أي: مجاهرا، أي: جهرة بين الناس. قال النسفي: يعني: أظهرت لهم الدعوة في المحافل

ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ أي: كلاما ظاهرا بصوت عال وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً قال ابن كثير: أي: فيما بيني وبينهم، فنوع عليهم الدعوة لتكون أنجع فيهم، وقال النسفي: (أي: خلطت دعاءهم بالعلانية بدعاء السر فالحاصل أنه دعاهم ليلا ونهارا في السر، ثم دعاهم جهارا ثم دعاهم في السر والعلن، وهكذا يفعل الآمر بالمعروف يبتدئ بالأهون، ثم بالأشد فالأشد، فافتتح بالمناصحة في السر، فلما لم يقبلوا ثنى بالمجاهرة، فلما لم تؤثر ثلث بالجمع بين الإسرار والإعلان، و (ثم) تدل على تباعد الأحوال، لأن الجهار أغلظ من الإسرار، والجمع بين الأمرين أغلظ من إفراد أحدهما). أقول: وفي ذلك كله درس جديد من دروس الدعوة أن يلجأ الداعية إلى كل الوسائل العلنية والسرية لتبليغ دعوته بالمحاضرة والخطاب المنفرد والجهر والسر.

[كلمة في السياق]

١ - عرض نوح عليه السلام في هذا الجزء من المجموعة الثانية مجمل ما فعل وتصرف، وسيأتي الجزء الثاني من المجموعة ليعرض نوح عليه السلام فيه تفصيل ما كان يقوله لهم في دعوته كما سنرى.

٢ - نلاحظ أن نوحا لم يترك وسيلة إلا سلكها، وكانت الحصيلة زيادة العناد والإصرار، وفي ذلك نموذج على أن الكفر إذا تأصل لا ينفع معه إنذار، وصلة ذلك بمحور السورة واضحة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ فهذه أمة لم يترك رسولها وسيلة لهدايتها إلا سلكها، ولم ينتج عن ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>