بعد الكلام عن المتقين وعن الكافرين في مقدمة سورة البقرة يأتي الكلام عن المنافقين، ونقطة البداية في الكلام عن المنافقين كفرهم بالله وباليوم الآخر وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ* يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ* فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ هذه قراءة حفص وقرأ غيره بِما كانُوا يَكْذِبُونَ أي: يكذبون بالله واليوم الآخر، ذلك لأنهم يدعون الإيمان بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين، ومن ثم كانوا مكذبين بهما، وتأتي سورة الماعون مبدوءة بقوله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ثم تتحدث عن آثار التكذيب في سلوك الإنسان فتقول:
فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ولما كان التكذيب باليوم الآخر خلقا مشتركا بين المنافقين والكافرين، وآثاره واحدة عندهما لم يكن في بداية السورة ما يشير إلى أن الأمر خاص بالمنافقين، ولكن خاتمة السورة تقول: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ ففي هذا الجزء من السورة انصب الحديث عن المنافقين فالسورة تفصيل إذن لقضية ترتبط بالنفاق، وإذا كان النفاق حصيلته كفرا، فقد كان جزء من حديثها ينصب على الكفر والنفاق بآن واحد.
رأينا أن سورتي الفيل وقريش تخدمان سياق سورة الهمزة، ورأينا أن سورة الهمزة تتحدث عن عذاب الكافرين كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ* وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ* نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ* الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ* إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ* فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ وتأتي سورتا الفيل وقريش لتخدما قضية التدليل على اليوم الآخر، وبعد ذلك تأتي سورة الماعون لتحدثنا عن آثار التكذيب باليوم الآخر في السلوك البشري، من جفاء اليتم وعدم العطف على المسكين، ومن تهاون في الصلاة ومراءاة فيها ومن منع للماعون، ولا ينبغي أن يغرنا أننا نرى كثيرا من الملحدين يتظاهرون بالعمل للفقراء، فذلك موقف سياسي يمليه الحقد، وعلامة ذلك أنك تجد هؤلاء إذا دعوتهم لخير يحجمون ويحتجون لموقفهم في ترك الإحسان بأن عمليات الإحسان تؤخر ثورة الفقراء.