الْعَذابِ أي عذابا على كفرهم، وعذابا على صدهم الناس عن اتباع الحق بِما كانُوا يُفْسِدُونَ أي بسب كونهم مفسدين في الأرض بصد الناس عن سبيل الله، وإبعاد الناس عن الإسلام
وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أي واذكر يوم نبعث في كل أمة نبيّهم شهيدا عليهم من جنسهم وَجِئْنا بِكَ يا محمد شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ أي على أمتك أي اذكر ذلك اليوم وهوله وما منحك الله فيه من الشرف العظيم والمقام الرفيع، ثم ذكر الله ما شرّف به رسوله صلّى الله عليه وسلّم في الدنيا من إنزال هذا القرآن عليه وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً أي مبيّنا لِكُلِّ شَيْءٍ من أمور الدين والدنيا. قال ابن مسعود:(قد بين لنا في هذا القرآن كل علم وكل شئ) فما من قضية من القضايا التي يحتاجها الإنسان كفرد والإنسانية كلها- إلا ولله فيها الحكم الحق، ومجموع هذه الأحكام هي الإسلام. وفي الفوائد تفصيل حول هذا الموضوع، ثم أكمل الله وصف كتابه بعد أن بين أنه تبيان لكل شئ فقال: وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ فكما أن القرآن فيه تبيان لكل شئ ففيه كذلك دلالة إلى الحق، ورحمة للمسلمين وبشارة لهم بالجنة، وهكذا استقر المقطع على تبيان أن الإسلام تفصيله في هذا القرآن الذي فيه بيان كل شئ، وفيه الهدى والرحمة والبشارة للمسلمين، وبهذا انتهى المقطع.
معجزة زائدة على الإعجاز العام الموجود في هذا القرآن، هذه المعجزة تتمثل في كون القرآن تحدث عن موضوع لم يعرف بمنتهى الدقة العلمية على ما حدّث به القرآن إلا بعد قرون، فالحديث عنه في القرآن بهذه الدقة يدل على أن هذا القرآن من عند الله فلنر الموضوع: إن آلية تشكل الحليب كما يتحدث عنه العلم الحديث على الشكل التالي: بعد أن يتمثل الطعام، ويصل إلى الأمعاء، تمتص الزغيبات المعوية ما فيه من غذاء، مبقية الفضلات- وهي الفرث- في الأمعاء، فيلقي الغذاء في الدم، وهذه أول تصفية، ثمّ يمر الدم وهو يحمل الغذاء على الغدد اللبنية فتفرز هذه الغدد الحليب من الدم ليذهب إلى الثدي، وتلك التصفية الثانية، وهكذا من بين فرث ودم يخرج الحليب، هذا الذي ذكره القرآن قبل أن يصل العلم إلى مثل هذه الدقة في تحديد آلية