للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلينظر أيّ شئ قد فرّط به من هذه الأمور وغيرها، لقد قست القلوب في عصرنا كثيرا فلنفتّش عما يلينها.

وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى. أي: ومن الذين سمّوا أنفسهم نصارى ويظهر أنّهم سمّوا أنفسهم كذلك ادّعاء لنصر الله. أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ لم يفصّل ماهيّة الميثاق الذي أخذ

عليهم، لأنّ الميثاق الذي أخذ على الأمم واحد، فهو لا يحتاج إلى تفصيل. فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ. أي: تركوه وأهملوه بل خالفوه. ومن ذلك التوحيد والشرائع. فعوقبوا على ذلك بما يلي.

فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ. أي: فألصقنا وألزمنا بين فرق النّصارى المختلفة العداوة والبغضاء، وهو عقاب مستمرّ بهم كما هو مشاهد. إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ فهم لا يزالون متباغضين، متعادين، يكفّر بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضا، وكل فرقة تحرم الأخرى من الجنة في زعمها، ولا تدعها تلج معبدها، والأمر فيهم هكذا إلى يوم القيامة. وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ. أي:

سيخبرهم يوم القيامة بما اقترفوه من الكذب على الله، وعلى رسوله، وعلى شريعته فيجازيهم.

فائدة: [انتشار العداوة والبغضاء عقاب على نسيان جزء من الوحي]

دلّت الآية على أنّ نسيان جزء من الوحي الذي ينزله الله على أمّة تستحق به هذه الأمة العداوة والبغضاء. ولا شك أنّ أمتنا نسيت الكثير من الوحي المنزّل، ونحن نرى آثار هذا الترك عداء وبغضاء بين المسلمين، والترك الذي وقعت به أمتنا ترك عملي في الغالب، إلا ما وقعت به بعض الفرق، ومظهر هذا التّرك العملي أخذا ببعض ونسيانا لبعض، فلنقبل على هذا الدين ولنأخذه كله لعلّ الله يؤلف بين قلوبنا.

وبعد أن بيّن الله فيما مرّ من الفقرة نقض اليهود والنصارى للميثاق، دعاهم إلى تلافي ذلك بالإيمان برسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا أَهْلَ الْكِتابِ الخطاب لليهود والنّصارى. قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا. أي: محمد عليه الصلاة والسلام يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ من نحو صفة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ومن نحو الرجم، ومن نحو التوحيد والتنزيه، وكثير من الشعائر والشرائع. وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ. أي: مما تخفونه فلا يبيّنه لعدم حاجة الإنسانية إلى بيانه. قال ابن كثير في تفسيرها: ويسكت عن كثير ممّا غيّروه ولا فائدة في بيانه.

قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ النّور هنا محمد صلّى الله عليه وسلّم. لأنه يهتدى به ويقتدى وفي

<<  <  ج: ص:  >  >>