قال ابن كثير:(يدعوهم إلى الله عزّ وجل، ولكنا خصصناك يا محمد بالبعثة إلى جميع أهل الأرض، وأمرناك أن تبلغهم هذا القرآن) وقال النسفي: (لو شئنا لخففنا عنك أعباء نذارة جميع القرى ولبعثنا في كل قرية نبيا ينذرها ولكن شئنا أن نجمع لك فضائل جميع المرسلين بالرسالة إلى كافة العالمين، فقصرنا الأمر عليك، وعظمناك به، فتكون وحدك ككلهم)
فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ أي فيما يدعونك إليه من موافقتهم ومداهنتهم، أي قابل نعمتي عليك بالشكر والصبر والتشدد، وكما آثرتك على جميع الأنبياء، فآثر رضائي على جميع الأهواء. قال النسفي:(وأريد بهذا تهييجه وتهييج المؤمنين وتحريكهم) وَجاهِدْهُمْ بِهِ أي بالقرآن، أي جادلهم به وقرعهم بالعجز عنه جِهاداً كَبِيراً أي عظيما موقعه عند الله، لما يحتمل فيه من المشاق ومجيء هاتين الآيتين في وسط الآيات التي تتحدث عن قدرة الله سنرى حكمته فيما بعد
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ قال النسفي: أي خلاهما متجاورين، كقول القائل: مرجت الدابة إذا خليتها ترعى، وسمى الماءين الكثيرين الواسعين بحرين هذا عَذْبٌ فُراتٌ أي أحدهما عذب شديد العذوبة، حتى يقرب إلى الحلاوة وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ أي شديد الملوحة وَجَعَلَ بَيْنَهُما أي بين العذب والمالح بَرْزَخاً أي حاجزا وهو اليبس من الأرض وَحِجْراً مَحْجُوراً قال ابن كثير: أي مانعا من أن يصل أحدهما إلى الآخر، ولنا عودة في الفوائد على هذه الآية، فإنها تحدثت عن مظهر من أعظم مظاهر القدرة الإلهية والرعاية الربانية
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ أي النطفة بَشَراً أي إنسانا فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً قال ابن كثير: (فهو في ابتداء أمره ولد نسيب، ثم يتزوج فيصير صهرا، ثم يصير له أصهار وأختان وقرابات، وكل ذلك من ماء مهين، ولذا قال تعالى: وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً وقال النسفي في الآية: أراد تقسيم البشر قسمين: ذوي نسب أي ذكورا ينسب إليهم، فيقال فلان بن فلان وفلانة بنت فلان وذوات صهر أي إناثا يصاهر بهن كقوله تعالى في سورة القيامة فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً حيث خلق من النطفة الواحدة بشرا نوعين ذكرا وأنثى، وقيل فجعله نسبا أي قرابة وصهرا مصاهرة يعني الوصلة بالنكاح من باب الأنساب، لأن التواصل يقع بها، وبالمصاهرة لأن التوالد يكون بهما.
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُهُمْ أي إن عبدوه وَلا يَضُرُّهُمْ إن تركوه.
قال ابن كثير: (يخبر تعالى عن جهل المشركين في عبادتهم غير الله من الأصنام التي لا تملك لهم ضرا ولا نفعا، بلا دليل قادهم إلى ذلك، ولا حجة أدتهم إليه، بل بمجرد