الذاريات أعطتنا في التقوى تفصيلا، وجاءت سورة الطور فأعطتنا تفصيلا، وستأتي سورة النجم لتعطينا تفصيلا، ومع التفصيل فإن سياق السور الثلاث يربي على التقوى بالمواعظ، وإقامة الحجة، ويهدم كل ما يحول دونها.
٤ - في سورة الطور عرض الله عزّ وجل علينا حال الكافرين يوم القيامة فكان في ذلك ترهيب يدفع نحو التقوى، ثم كان في المجموعة الثانية ترغيب يدفع نحو التقوى، وتأتي المجموعة الثالثة لتهدم كل تكأة يتّكأ عليها الكافرون في هروبهم من التقوى، ولتأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ينبغي فعله للتحقق بالتقوى، وما ينبغي فعله في مقابل مواقف الكافرين.
٥ - في الآيات الخمس الأولى من مقدمة سورة البقرة نجد خطابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ والملاحظ أن الخطاب في المجموعة الثالثة يتوجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ ثم يسير السياق ليقول: أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ لاحظ الصلة بين الآيات وآية المحور.
[التفسير]
فَذَكِّرْ قال النسفي:(أي فاثبت على تذكير الناس وموعظتهم)، وقال ابن كثير: يقول تعالى آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يبلغ رسالته إلى عباده، وأن يذكرهم بما أنزل الله عليه، ثم نفى عنه ما يرميه به أهل البهتان والفجور: فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ أي: برحمته إياك وإنعامه عليك بالنبوة ورجاحة العقل بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ كما زعموا أي لست- بحمد الله- بكاهن كما يتقول الجهلة من الكفار، والكاهن: هو الذي يأتيه الرئي من الجان بالكلمة يتلقاها من جند السماء، ولا بمجنون: وهو الفاقد العقل. والكهانة والصرع هما التفسيران اللذان يفسر بهما الكافرون ظاهرة الوحي وما يرافقها، وهو تفسير مردود علميا وعقليا؛ فالكهانة لا يصدر عنها مثل هذا القرآن، والصرع ظاهرة مرضية لا يرافقها انبثاق نص كالنص القرآني، وأنواع المجنون الأخرى وغيبوباتها كلها ظواهر مرضية، لا ينبثق عنها ما كان يترتب على ظاهرة الوحي من معان من شأن الغيوب، والهداية، والعلوم والقرآن، ولكون ما قالوه ظاهر البطلان فقد نفاه النص القرآني دون أن يتوقف عنده؛ مما يشير إلى أنه لا يحتاج إلى تدليل. ولما كان التفسير الثالث لظاهرة القرآن عند الكافرين هو أن