[فوائد: يبحث العلماء عند هذه الآية مباحث كثيرة ولنذكر نموذجين]
قال النسفي عند هذه الآية:(والنكاح هو الوطء في الأصل، وتسمية العقد نكاحا لملابسته له؛ من حيث إنه طريق إليه، كتسمية الخمر إثما لأنها سببه، وكقول الراجز أسنمة الآبال في سحابه، سمى الماء بأسنمة الآبال لأنه سبب سمن الآبال وارتفاع أسنمتها، ولم يرد لفظ النكاح في كتاب الله تعالى إلا في معنى العقد، لأنه في معنى الوطء من باب التصريح به ومن آداب القرآن الكناية عنه بلفظ الملامسة، والمماسة، والقربان، والتغشي، والإتيان. وفي تخصيص المؤمنات مع أن الكتابيات تساوي المؤمنات في هذا الحكم إشارة إلى أن الأولى بالمؤمن أن ينكح مؤمنة).
وقال ابن كثير: (هذه الآية الكريمة فيها أحكام كثيرة، منها إطلاق النكاح على العقد وحده، وليس في القرآن آية أصرح في ذلك منها، وقد اختلفوا في النكاح هل هو حقيقة في العقد وحده، أو في الوطء، أو فيهما؟ على ثلاثة أقوال، واستعمال القرآن إنما هو في العقد، والوطء بعده إلا في هذه الآية فإنه استعمل في العقد وحده، لقوله تبارك وتعالى: إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وفيها دلالة لإباحة طلاق المرأة قبل الدخول بها، وقوله تعالى: الْمُؤْمِناتِ خرج مخرج الغالب؛ إذ لا فرق في الحكم بين المؤمنة والكتابية في ذلك بالاتفاق، وقد استدل ابن عباس رضي الله عنهما، وسعيد بن المسيب، والحسن البصري وعلي بن الحسين زين العابدين وجماعة من السلف بهذه الآية على أن الطلاق لا يقع إلا إذا تقدّمه نكاح؛ لأن الله تعالى قال: إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ فعقّب النّكاح بالطلاق، فدلّ على أنّه لا يصح، ولا يقع قبله، وهذا مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل، وطائفة كثيرة من السلف والخلف رحمهم الله تعالى، وذهب مالك وأبو حنيفة رحمهما الله تعالى إلى صحة الطلاق قبل النكاح فيما إذا قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فعندهما متى تزوجها طلقت منه، واختلفا فيما إذا قال كل امرأة أتزوجها فهي طالق فقال مالك: لا تطلق حتى يعيّن المرأة، وقال أبو حنيفة رحمه الله: كل امرأة يتزوجها بعد هذا الكلام تطلق منه، فأما الجمهور فاحتجوا على عدم وقوع الطلاق بهذه الآية.
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، قال: ليس بشيء من أجل أن الله تعالى يقول: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا