معانيه، وفي سور أخرى سيقص الله علينا جوانب أخرى من قصة فرعون مع موسى أو يكرر معنى من المعاني المذكورة هنا، وفي كل مرة تأتي القصة أو جزء منها، إنما تأتي لتخدم غرضا في السورة وفي السياق بما ينسجم مع موضوع السورة ومحورها، وبما يشكل في النهاية عرضا كاملا للقصة من كل جوانبها دون أن يخل هذا بوحدة السورة القرآنية، وبما يحقق المظهر الأعلى من التكامل القرآني، وكل ذلك يبرز مدى الكمال في هذا القرآن، وكيف لا ومنزله هو الله الذي له المثل الأعلى في كل شئ تبارك وتعالى وهذا الذي قلناه مظهر من مظاهر الكمال والتكامل في هذا القرآن، وإن كل ما قاله ويقوله أحد في شأن هذا القرآن إنما هو قطرة من بحار الكمال الذي لا يحيط به إلا الله.
[المعنى الحرفي]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ أي من بعد الرسل المذكورين، أو من بعد الأمم المذكورة، وظاهر النص أن موسى جاء بعد هذه الأمم، وبعد هؤلاء الرسل، وهذا يؤكد الاتجاه الذي يقول بأن الرجل الذي آوى إليه موسى من مدين ليس هو شعيبا عليه السلام إذ بين شعيب وموسى زمن طويل كما سنرى ذلك في سورة القصص مُوسى بِآياتِنا أي بالمعجزات الواضحات إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَظَلَمُوا بِها أي فكفروا بآياتنا. أجرى الظلم مجرى الكفر لأنهما من واد واحد، ويمكن أن يراد بقوله فَظَلَمُوا بِها أي فظلموا الناس بسببها حين آذوا من آمن. أو أن كلمة الظلم استعملت بدل الكفر لأنه إذا وجب الإيمان بها فكفروا بدل الإيمان كان كفرهم بها ظلما حيث وضعوا الكفر موضع الإيمان فَانْظُرْ يا محمد ويا من يقتدي به ويتابعه كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ أي الذين صدوا عن سبيل الله وكذبوا رسله حيث كانت نهايتهم الغرق
وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ يقال لملوك مصر الفراعنة كما يقال لملوك فارس الأكاسرة فليست كلمة فرعون اسمه بل لقبه إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ إليك.
حَقِيقٌ أي خليق وجدير عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ أي الصدق قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أي بما يبين رسالتي وهي المعجزات فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي فخلهم يذهبوا معي راجعين إلى الأرض المقدسة
قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ أي من عند من أرسلك فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ أي فأتني بها لتصح دعواك ويثبت صدقك فيها.
فَأَلْقى أي موسى عَصاهُ من يده فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ أي حية عظيمة مُبِينٌ أي ظاهر أمره أنه ثعبان