أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ أي من العذاب
ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ أي به في تلك السنين. أي لو أخرناهم، وأنظرناهم، وأملينا لهم برهة من الدهر، وحينا من الزمان وإن طال، ثم جاءهم أمر الله، أي شئ يجدي عنهم ما كانوا به من النعيم؟
ثم قال تعالى مخبرا عن عدله، وأنه ما أهلك أمة من الأمم إلا بعد الإعذار إليهم، والإنذار لهم، وبعثة الرسل إليهم، وقيام الحجة عليهم فقال: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها
مُنْذِرُونَ
أي رسل ينذرونهم
ذِكْرى أي فعلنا ذلك تذكرة وموعظة وإقامة حجة وَما كُنَّا ظالِمِينَ فنهلك قوما لا يستحقون الهلاك. والمعنى: وما ظلمنا إذ أهلكنا لأننا ما أهلكنا من أهل قرية إلا بعد ما ألزمناهم الحجة بإرسال المنذرين إليهم، ليكون إهلاكهم تذكرة وعبرة لغيرهم، فلا يعصوا مثل عصيانهم.
[كلمة في السياق]
يأتي قوله تعالى: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ* ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ كرد ثان على استعجالهم العذاب؛ إذ يبين الله سنة من سننه في هذا الشأن، والملاحظ أنه يأتي هذا الموضوع في الخاتمة، بعد أن عرض الله علينا في السورة ستة نماذج على إهلاكه قرى أنذرت فكذبت، ومن ثم تعرف معنى قولنا كيف أن ما ذكر قبل الخاتمة يصب في خدمة الخاتمة، وأن كل آية في الخاتمة مرتبطة بسياق السورة الخاص بشكل بارز وواضح، وبعد أن أثبت الله أنه هو الذي أنزل هذا القرآن، وأقام الحجة على ذلك وعرض لموقف المجرمين، وسبب هذا الموقف، ورد على استعجالهم العذاب، يأتي الآن نفيه القاطع أن يكون للشياطين صلة بموضوع إنزال هذا القرآن، ومجيء هذا النفي هنا يشير إلى الشبهة الكافرة الجاحدة التي لا زال الكافرون يثيرونها وهي أن محمدا صلى الله عليه وسلم (وحاشاه بأبي هو وأمي) كانت له حالات غير صحية تحدث له فيها تخيلات وأوهام، هي أثر عن وسوسات وصرعات، فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ما أجهلهم بالطب، وما أجهلهم بالقرآن، وما أجهلهم بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أجهلهم بظاهرة الوحي، وما أظلمهم وأسفههم. قال تعالى: