من خالفهم في دينهم وكانوا يقولون: لم يجعل لهم في كتابنا حرمة. ومن قرأ نصوص التلمود، رأى من هذا الكثير. والأميون في النص، يدخل فيهم العرب أولا، وكل من ليس له دين كتابي ثانيا، والنصارى وغيرهم بالنسبة لليهود. وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ أي بادعائهم أن ذلك في كتابهم. وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنهم كاذبون. أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما قال أهل الكتاب ليس علينا في الأميين سبيل، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم:«كذب أعداء الله ما من شئ كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي هاتين إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر».
بَلى، هذا إثبات لما نفوه من السبيل عليهم في الأميين، أي بلى عليهم سبيل فيهم مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى هذه جملة مفسرة للجملة التي سدت بلى مسدها والمعنى، من أوفى بعهد الله واتقاه، أو من أوفى بما عاهد الله عليه واتقى الله في ترك الخيانة والغدر. فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ أي: فإن الله يحب من أوفى بعهده وترك الغدر، والخيانة. ويدخل في الوفاء، الوفاء بعهود الله، ومنها الوفاء بما عاهد الله عليه أهل الكتاب أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذا بعث. ويدخل في التقوى، اتقاء المحارم، واتباع طاعة الله، وشريعته التي بعث بها خاتم رسل الله صلى الله عليه وسلم.
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أي: إن الذين يستبدلون بما عاهدوا الله عليه، من الإيمان بالرسول المصدق لما معهم، وبما حلفوا به من قولهم:
والله لنؤمنن به، ولننصرنه، متاع الدنيا، من الترأس والارتشاء، ونحو ذلك.
أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ أي لا نصيب لهم فيها. وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ بما يسرهم. وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ بعين الرحمة. وَلا يُزَكِّيهِمْ أي: لا يثني عليهم، أو لا يطهرهم من ذنوبهم، بأن يعفو عنهم، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي:
مؤلم.
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً أي لطائفة يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ. أي:
يفتلونها عن الصحيح إلى المحرف، والمراد باللي هنا التحريف. لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ. أي: لتظنوه من الكتاب. وقد يكون المعنى: يرطنون بألسنتهم بشبه الكتاب، لتحسبوا ذلك الشبه من الكتاب، والمراد بالكتاب هنا التوراة وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ. أي: وليس هو من الكتاب. وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنهم كاذبون.