٢ - يلاحظ أن آية المحور الأولى قالت: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وأن الأمر الأول هاهنا كان قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ لاحظ صلة ذلك بقوله تعالى: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ويلاحظ أن الأمر الثاني في هذه المجموعة يقول: قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ لاحظ صلة ذلك بقوله تعالى في المحور: فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فكلمة (ترجعون) في المحور، وكلمة (تحشرون) في الآية التي ستأتي معنا الآن متلازمتان، فالصلة على أتم الوضوح بين المحور والسورة، فلنر الأمر الثاني.
[الأمر الثاني]
قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ قال النسفي: أي: خلقكم، وقال ابن كثير: أي: بثكم ونشركم في أقطار الأرض وأرجائها مع اختلاف ألسنتكم في لغاتكم وألوانكم، وحلاكم وأشكالكم وصوركم وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أي: للحساب والجزاء. قال ابن كثير:(أي: تجمعون بعد هذا التفرق والشتات يجمعكم كما فرقكم، ويعيدكم كما بدأكم)
ولما كان الكفار ينكرون الحشر أصلا- كأثر عن كفرهم بالله عزّ وجل- فقد أخبرنا الله عزّ وجل عن هذا الإنكار للمعاد واستبعاد الكافرين له. فقال: وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ أي: الذي تعدوننا به من أننا سنحشر إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي: في كونه، فأعلمونا زمانه، قال ابن كثير: أي:
متى يقع هذا الذي تخبرنا بكونه من الاجتماع بعد هذا التفرق. أقول: علامة صدق الرسول والمؤمنين عندهم تتمثل في قدرتهم على تحديد الزمن الذي يجئ فيه اليوم الآخر، وليس الأمر كذلك، فمجيء اليوم الآخر قضية عقلية نقلية، هي أثر عن الإيمان بالله، وقد شاء الله عزّ وجل ألا يعلم أحد بزمنها لحكمة؛
ولذلك قال تعالى:
قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ قال ابن كثير: أي: لا يعلم وقت ذلك على اليقين إلا الله عزّ وجل، لكنه أمرني أن أخبركم أن هذا كائن وواقع لا محالة فاحذروه وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ أي: منذر مُبِينٌ قال النسفي: أي: أبين لكم الشرائع، وقال ابن كثير: أي: وإنما علي البلاغ وقد أديته إليكم
فَلَمَّا رَأَوْهُ أي: الوعد يعني:
العذاب في اليوم الموعود زُلْفَةً أي: قريبا منهم سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا أي: ساءت رؤية الوعد وجوههم، بأن علتها الكآبة والمساءة، وغشيتها القترة