الذين لم يهاجروا إذا استنصرونا على قوم من الكفار بيننا وبينهم مهادنة إلى مدة فعلينا ألا نخفر ذمتنا، وألا ننقض مواثيقنا مع الذين عاهدناهم. وإذ قرر الله عزّ وجل الولاية المطلقة بين المهاجرين والأنصار- أي: بين رعايا دار الإسلام وقتذاك- والولاية الجزئية بيننا وبين المؤمنين من غير سكان دار الإسلام، فقد قطع الله الموالاة بين المؤمنين والكفار. وعلمنا أن الكافرين يوالي بعضهم بعضا في عدائنا، ثم قرر أنه إن لم نجانب المشركين، ونوالي المؤمنين، فإن فتنة ستكون، والفتنة هنا هي التباس الأمر، واختلاط المؤمنين بالكافرين، فيقع بين الناس فساد منتشر عريض طويل. وبعد أن ذكر الله تعالى حكم الإيمان ومقتضاه، بين من هم أهله في الدنيا، فوصف المهاجرين والأنصار بأنهم المؤمنين حقا، وأخبر بما لهم في الآخرة، وأنه سبحانه سيجازيهم بالمغفرة والصفح عن الذنوب إن كانت، وبالرزق الكريم وهو الحسن الكثير الطيب الشريف، الدائم المستمر أبدا، الذي لا ينقطع ولا ينقضي، ولا يسأم ولا يمل لحسنه وتنوعه. ثم ذكر تعالى أن الذين ساروا على أثرهم أنهم معهم في الآخرة، ثم ذكر الله عزّ وجل قاعدة عامة: أن أولي الأرحام بعضهم أحق ببعض، ثم ذكر الله عزّ وجل بعلمه بكل شئ. وبهذا المعنى تنتهي السورة.
[المعنى الحرفي]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ هؤلاء المهاجرون وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أي والذين آووهم إلى ديارهم، ونصروهم على أعدائهم وهم الأنصار، وبإجماع الأمة أن الهجرة أفضل من النصرة، والمهاجرون أفضل من الأنصار أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أي ينصرون بعضهم بعضا، ويعينون بعضهم بعضا، وكانوا في الابتداء يتوارثون بالهجرة والنصرة، دون ذوي القرابات حتى نسخ ذلك بقوله تعالى وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ فإذا تضمنت الآية الميراث كان المعنى- زيادة على ما مر- ويرث بعضهم بعضا وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا إلى المدينة حين كانت الهجرة إليها مفروضة ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ فهم لا يستطيعون لكم نصرة، ولا إعانة لكونهم في دار الحرب. ثم هم لم يكونوا يرثون. فكان لا يرث المؤمن الذي لم يهاجر ممن آمن وهاجر، ثم ليس لهم في الغنيمة والفئ نصيب حَتَّى يُهاجِرُوا وعندئذ تكون لهم حقوق المسلم المقيم في دار الإسلام كاملة وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ أي: إن وقع بينهم وبين الكفار قتال، وطلبوا معونة، فواجب عليكم أن