اليسر في أخذ الناس في هذه الدعوة، ونهنهة النفس عن الغضب مما يبدر منهم من تقاعس واعتراض، والاستعاذة من الشيطان الذي يثير الغضب ويحنق الصدر: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ* وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ، إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ* وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ* وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا: لَوْلا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ.
وهذا التوجيه يذكرنا بما ورد في مطلع السورة: كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ. فهو يشي بثقل هذا العبء- عبء دعوة الناس- ومواجهة ما في نفوسهم من رواسب وركام وعقابيل، والتواءات وأغراض وشهوات، وغفلة وثقلة وتقاعس. وضرورة الصبر .. وضرورة اليسر.
وضرورة السير أيضا في الطريق. ثم توجيه إلى الزاد المعين على مشاق الطريق ..
الاستماع والإنصات إلى القرآن .. وذكر الله في كل آن وفي كل حال. والحذر من الغفلة والاقتداء بالمقربين من الملائكة في الذكر والعبادة: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ* وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ* إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ.
[المعنى العام للقسم]
يبدأ القسم بأمر الله عزّ وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتذكر إذ استخرج الله ذرية بني آدم من أصلابهم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم، وأنه لا إله إلا هو، كما أنه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه، وإنما فعل ذلك ربنا حتى لا يحتجوا عليه بغفلتهم أو باتباعهم لشرك آبائهم.
ثم أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتلو عليهم خبر من أكرمه الله بتعريفه بآياته فكان أن تركها وتخلى عنها وخالفها واستحوذ عليه الشيطان، فمهما أمره امتثل وأطاعه؛ فكان من الهالكين الحائرين البائرين. ولو أن الله أراد أن يرفعه من التدنس عن قاذورات الدنيا بالآيات التي آتاه إياها لفعل. ولكنه مال إلى زينة الحياة الدنيا وزهرتها وأقبل على لذاتها