موالاة الكافرين مطلقا، ويبين لنا كثيرا من مواقف الكافرين جملة، ومواقف أهل الكتاب خاصة، مما هو كالتعليل لمنعنا عن موالاتهم، فارتباط المقطع بعضه ببعض وارتباطه بما قبله، ومحله في سياق السورة الخاص وصلة ذلك بمحور السورة من البقرة كل ذلك له علاماته الكبرى.
[المعنى العام]
ينهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى الذين هم أعداء الإسلام وأهله. ثم أخبر أن بعضهم أولياء بعض. ثم تهدّد وتوعّد من يتعاطى موالاتهم ووصفه بالظّلم، وأن الله لا يحبّه، وأيّ عقوبة أفظع من أن يبغض الله إنسانا؟ ثمّ أخبر تعالى عن الذين في قلوبهم مرض، وشكّ، ونفاق، كيف أنهم يبادرون إلى موالاتهم ومودّتهم في الباطن والظاهر، متأولين في مودتهم وموالاتهم، أنهم يخشون أن يقع أمر من ظفر الكافرين بالمسلمين، فتكون لهم أياد عند اليهود والنصارى، أو الكافرين عامة، فينفعهم ذلك، ناسين أن النصر بيد الله، وأن الأمر كله له، وقد ذكّر الله هؤلاء وغيرهم أنّ هؤلاء سيندمون على ما أسرّوه في أنفسهم، من موالاة الكافرين يوم ينصر الله جنده، ويعلى كلمته، وعندئذ سيجدون أن ما كان منهم لم يغن عنهم شيئا، ولا دفع عنهم محذورا بل على العكس، كان عين المفسدة لهم، فإنهم فضحوا وأظهر الله أمرهم لعباده المؤمنين، بعد أن كانوا مستورين لا يدرى كيف حالهم، فلما انعقدت الأسباب الفاضحة لهم تبيّن أمرهم لعباد الله المؤمنين، فتعجبوا منهم كيف كانوا يظهرون أنّهم من المؤمنين ومعهم، ويحلفون على ذلك أشدّ الحلف، فبان كذبهم وافتراؤهم، وأحبط الله أعمالهم، فكانوا خاسرين [وورود كلمة خاسرين في هذا السياق يذكّرنا بالارتباط في محور سورة المائدة من سورة البقرة أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ* إذ أن هؤلاء نقضوا العهد والميثاق، وما أمر الله به أن يوصل من ولاء أهل الإيمان بعضهم لبعض].
ثم أخبر تعالى عباده المؤمنين عن قدرته العظيمة ورعايته لشئون دينه بأنه عند ما يتولى أحد عن نصرة دينه، وإقامة شريعته، فإنّ الله سيستبدل من هو خير لها منه وأشدّ منعة، وأقوم سبيلا، ممّن يتّصفون بالتواضع للمؤمنين، والشدّة على الكافرين، والعزّة عليهم، ممن يحبون الله ويحبهم الله، ممن يجاهدون في سبيل الله، ولا يردّهم عمّا هم فيه من طاعة الله وإقامة الحدود وقتال أعداء الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يردهم عن ذلك رادّ، ولا يصدهم عنه صادّ، ولا يؤثر فيهم لوم لائم، ولا